فضل بن سعد البوعينين
تُشكل المنشآت النفطية هدفاً استراتيجياً لخلايا الإرهاب الداخلية المرتبطة بتنظيمات خارجية في (إيران، سوريا، العراق واليمن). ضرب الاقتصاد السعودي هو الهدف الرئيس الذي توضع من أجل تحقيقه الأهداف الاستراتيجية المتنوعة بفكر استخباراتي متقدم. في العام 2004 اقتحم مسلحون أحد المواقع الصناعية في مدينة ينبع. وبالرغم من أن هدفهم الظاهر استهداف بعض العاملين الأجانب فقد كان هدفهم المستتر هو المنشآت البتروكيماوية المرتبطة بشكل مباشر بالقطاع النفطي. استهداف المجمعات البتروكيماوية قد يُحدث أثراً تدميرياً بالغاً للمدن وساكنيها في محيط جغرافي كبير، عوضاً عن تدميره الشامل للبيئة ومقدرات الاقتصاد. إصرار خلايا الإرهاب على استهداف المواقع النفطية برز في العام 2006 بعد أن حاولوا ضرب مجمع بقيق النفطي الذي يعالج ما يقرب من ثلث إنتاج السعودية من النفط. لم يكن استهداف مجمع بقيق عرضياً بقدر ما كان هدفاً استراتيجياً مقنناً، وُجِّه لتدمير أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية، وأكبر معمل لتركيز الزيت الخام في العالم. شل حركة المجمع النفطي كان سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد الوطني، وتدمير اقتصاديات دول العالم التي تعتمد على صادرات النفط السعودية، إضافة إلى ما كان سيحققه من تدخل قوات أجنبية تحت ذريعة «حماية منابع النفط». استمر تركيز خلايا الإرهاب على المنشآت النفطية والاقتصادية، وحاولوا ضرب المقدرات الاقتصادية في مكة المكرمة، واستهداف منشآت نفطية في رأس تنورة والدمام وبقيق والجبيل، والتخطيط لاستهداف أنابيب نفط في الخبر. تدمير البنية التحتية الأساسية في المملكة، واستهداف المرافق الاقتصادية، وفي مقدمها المنشآت النفطية ذات التكلفة العالية، سيحققان لهم الأهداف التدميرية، والأهداف الاستخباراتية الاستراتيجية التي تركز على المرافق النفطية (عصب الاقتصاد السعودي)، إضافة إلى إحداث أكبر قدر من الفوضى والتذمر الشعبي المتوقع حدوثه لأسباب مرتبطة بالإنفاق التنموي الذي سيتأثر من جانبين، الأول بسبب تعطل جزء مهم من إنتاج النفط، والثاني استغلال الجزء الأكبر من الإيرادات الحكومية لإعادة بناء المشروعات المدمرة التي لا يمكن العيش دونها. الإصرار على تنفيذ عمليات نوعية في المنشآت النفطية يؤكد استراتيجية الهدف الموحد للجماعات الإرهابية، والأجهزة الاستخباراتية التي ترصد الأهداف بعناية، وتقترحها من خلال مجنديها المنخرطين ضمن الجاعات الإرهابية في الداخل والخارج. وزارة الداخلية السعودية أكدت خلال الأيام الماضية وجود محاولات لتنفيذ «جريمة إرهابية تستهدف منشآت النفط في أرامكو أو في سوق تجاري محلي»، ثم كشفت عن عملية استباقية أحبطت من خلالها مخططاً يهدف لتفجير سبع سيارات من قِبل تنظيم «داعش». اللواء منصور التركي، المتحدث الأمني في وزارة الداخلية، أشار إلى أن «داعش استهدف السعودية في خمس جرائم، آخرها في مقتل رجلَيْ أمن». وأكد أن التهديدات الأخيرة التي كانت تستهدف المجمعات التجارية ومنشأة تابعة لشركة أرامكو قد «انتهت». يبدو أن خوض السعودية لحربها العادلة على الانقلابيين في اليمن حَفز خلايا الإرهاب على تنفيذ عمليات في الداخل، اعتقاداً منهم بانشغال القوات الأمنية. ولعلها كانت ضمن مخطط شامل، يهدف إلى إشعال الجبهة الداخلية بالتزامن مع الحرب الخارجية التي تقودها السعودية. منظومة الأمن السعودي المترابطة قادرة - ولا شك - على مواجهة المخاطر الأمنية المتوقعة، بغض النظر عن حجمها وتنوعها، وأماكن حدوثها، وهو ما أكدته العمليات الاستباقية الأخيرة. حققت الأجهزة الأمنية نجاحات متميزة في دحر المنظمات الإرهابية، وكشف مخططاتها، من خلال عمليات استباقية نوعية، وقدرة فائقة على ربط الأحداث والجرائم الأمنية، وكشف علاقة الخلايا المتباعدة وأفرادها بطريقة احترافية، أسهمت في حماية البلاد والعباد من عمليات إرهابية مؤثرة ومدمرة. أعتقد أن خطر خلايا الإرهاب ما زال قائماً طالما بقيت أهدافهم الاستراتيجية الموجهة نحو منشآت النفط. وبالرغم من تغير مسميات المنظمات الإرهابية بقي هدفها التدميري واحداً لم يتغير؛ ما يؤكد مركز القيادة المحوري، والمرجعية الواحدة التي تستغل الأحداث والمسميات لتنفيذ أجندتها، وتحقيق أهدافها الاستراتيجية في الداخل. اختفت «القاعدة»، وظهر تنظيم «داعش» بشكل مفاجئ. ومن يدري، فلعل الأيام تأتي بمسميات جديدة متوافقة مع متطلبات المرحلة القادمة. زعزعة الأمن وتدمير الاقتصاد هو هدف خلايا الإرهاب، بغض النظر عن مسمياتها؛ ما يعني استمرارها في المحاولة طالما وجدت من يساعدها في تحقيق أهدافها من المواطنين. مساهمة أحد المواطنين في التبليغ عن المطلوب الأمني ربما تنقذ الوطن والمواطنين من عمليات إرهابية مدمرة، وهو ما نتوقعه من غالبية المواطنين. «المواطن هو رجل الأمن الأول» القادر على حماية وطنه، جنباً إلى جنب مع الأجهزة الأمنية. وتى تحقق التكامل الكلي بين المواطنين والمؤسسات الرسمية والمجتمعية والأجهزة الأمنية فسيكون اختراق جدار الأمن السعودي مستحيلاً بإذن الله.