عبدالعزيز السماري
تستحق وزارة الصحة لقب محرقة الكفاءات الوطنية، فخلال عام واحد مر على كرسي الوزارة خمسة وزراء، والرقم ما زال مرشحاً للارتفاع، وقبل أن يفشل الوزير الحالي، علينا أن نبحث عن الأسباب التي تقف خلف فشل الكفاءات في وزراة الصحة، وحتماً لم يكن اختيارهم خاطئاً أو عشوائياً، فجميعهم تم اختيارهم لأنهم يتمتعون بقدرات إدارية وخبرة جيدة في حياتهم العملية، يستطيعون من خلالها إدارة الصحة في الوطن، وسأحاول من خلال هذه العجالة أن أتناول لماذا يفشلون في وزارة الصحة؟
يفشل وزير الصحة لأنه يعيش تحت ضغط هائل من المسؤوليات الإدارية، ولأنه مسؤول مسؤولية إدارية مباشرة عن مختلف الخدمات الصحية الأولية والثانوية في مختلف المناطق، بالإضافة إلى إشرافه العام على قطاع المستشفيات التخصصية، وببساطة لن يجد الوقت الكافي للقيام بهذه المسؤوليات الضخمة، فالوطن أشبه بأن يكون قارة في مساحته وكثرة مناطقه، عند مقارنته بالدول المجاورة، وقد تجاوز العالم الحديث أساليب المركزية الإدارية في تقديم الخدمات على المستوى العام، واتجه نحو توزيع المسؤوليات ثم مراقبتها..
يفشل وزير الصحة لتضخم مسؤوليته الإدارية على طريقة «لو أن ناقة عثرت...»، فهو مسؤول عن أي تقصير أو خطأ طبي يقع في أي مستشفى أو مركز صحي في البلاد المترامية الأطراف، ومن أسباب المشكلة الحالية أن مهمة تحويل المرضى للمستشفيات المتخصصة تتم من خلال مسارات غير نظامية، ومن أشهرها الضغط على المسؤولين من أجل نقل مرضاهم ولو كانت حالتهم لا تستدعي النقل، ومن المفترض أن يُترك الأمر للأطباء في تقرير نقل المريض من مستشفى عام إلى متخصص، وأن لا يتدخل الإداري في ذلك.
يفشل وزير الصحة لأنه مسؤول أيضاً عن وضع الإستراتيجيات والأنظمة الصحية للبلاد، وتلك حسب وجهة نظري هي مسؤوليته الأهم، ولكن يجب أن تتم من خلال استشارة خبراء عالميين في هذا الشأن، وأن لا تكون جهداً فردياً من معاليه كما حدث في وزارات سابقة، ونحتاج إلى الاستفادة من الأنظمة الصحية المطبقة في الدول المتقدمة، وأن ندخل محلة جديدة في تنظيم الخدمة الصحية، وعلى سبيل المثال يجب أن تتمتع المستشفيات المتخصصة باستقلال مادي وإداري، وأن تكون مؤسسات عامة غير هادفة للربح، وأن تعمل على تطوير مواردها المالية.
يفشل وزير الصحة لأنه مطالب أيضاً بإدارة الأوبئة الطارئة، كما حدث في وباء كورونا وسارس، والتي تحتاج إلى إدارة متخصصة في الأزمة الطارئة، كما تتطلب خبراء متخصصين في إدارة الأوبئة، ولعل ما حصل من تخبطات أثناء وباء كورونا ما زال يخيّم على الأجواء، بسبب غياب التخصص والشفافية الإدارية، وما زال الوباء ينشط كل ربيع، في ظل عدم التحرك لإنتاج لقاح حيواني للإبل.
يفشل وزير الصحة لأنه أيضاً مطالب بأن يقوم بإدارة صحة مواسم الحج، ويعتبر موسم الحج من أكبر التحديات التي تواجهها المملكة كل عام، ليس فقط من الناحية الأمنية، ولكن أيضاً بسبب تحدي انتشار الأوبئة بين الحجاج، وهو ما يستدعي وجود هيئة متخصصة للقيام بهذا الدور الحيوي والهام، ومن الأولى أن يتم تخصيص جهاز إداري متخصص لإدارة صحة الحجاج تابع للمنطقة.
يفشل وزير الصحة لأنه يقوم بدور المتعهد الرئيسي في الإنشاءات الصحية في مختلف البلاد، وأن يكون هو المسؤول الأول عن ترسية المشاريع الإنشائية في مختلف أنحاء البلاد على المقاولين، ثم مراقبة تنفيذها، ثم تشغيلها، ويحتاج ذلك لتفرغ تام من أجل القيام بهذا الدور، ويفسر ذلك تعثر المشاريع بسبب كثرتها وحاجتها لمتفرّغ لمراقبة التنفيذ والتشغيل، وتلك وربي إحدى أزمات تعطّل العمل الإداري في مختلف الجهات بسبب انشغال المدير أو الوزير بالبناء والعمران وترسية المشاريع.
يفشل وزير الصحة لأنه مسؤول عن العقود الضخمة للأدوية، والتي تزداد أعدادها كل عام، ولأنه مسؤول عن عقود الأجهزة الطبية، والتي بحد ذاتها تحتاج إلى مجهود غير عادي لحصر حاجات المستشفيات الكثيرة في الوطن، ثم استبدال القديم المتهالك بأجهزة متطورة، ويفشل الوزير لأنه مطالب بتوفير الكوادر الطبية الجيدة والمتخصصة في مختلف المستشفيات الأولية والثانوية، ولأنه مسؤول عن تدريب الكوادر الطبية في مختلف المناطق في المملكة.
يفشل الوزير لأنه ببساطة لا يمكن أن يقوم بكل هذه الأدوار، ولأن المركزية الإدارية فاشلة بطبيعتها، وأنه لا حل غير إعطاء المناطق صلاحية إدارة شؤونها الصحية، والقيام بدور تقديم الخدمات الصحية، وأن يكون مسؤولية وزير الصحة عن تطوير الأنظمة والإسترتيجيات الصحية والقيام بمهام إعداد الكوادر الصحية، وتقديم الإحصاءات، وإعداد الدراسات التي توفر لصاحب القرار المعلومات الصحيحة من أجل اتخاذ القرارات الصحيحة، وينطبق ذلك على مختلف الخدمات مثل البلدية والسياحية والتجارية والصناعية. والله على ما أقول شهيد.