عبدالعزيز السماري
في زمن الانغلاق العربي في القرون الماضية، كانت الانطوائية تحكم العقول، وكان ذلك نتيجة طبيعية لآثار الانغلاق الاجتماعي التي كانت تعيش فيه أغلب الدول العربية، كان التفاعل ثقافة محدودة، وكانت السياسة في أنماطها غير المنضبطة للمنتصر على مر العصور، فأجرأهم على ثقافة التفاعل واختراق جدران الانغلاق إلى العقول، يحكم الأوطان في نهاية الأمر، وكانت المهارة في كيفية محاكاة ذلك الكائن المنطوي داخل العقل العربي، وكيف يستطيع السياسي إخراجه ليصبح جندياً محارباً في سبيل أفكاره الدفينة في عقله الباطن، بينما في ظاهر الأمر هو يحارب من أجل مصالح السياسي الذي يبحث عن أهدافه الدفينة أيضاً.
مقدمة أحاول من خلالها معالجة التفكير الطائفي الأعمى، والذي أصبح في عالمنا المعاصر أشبه بالغول الذي يهدد الاستقرار في المنطقة، ولم يأت ذلك غزواً فكرياً، ولكن جاء من أعماق الجذور والمكونات الفكرية لثقافة الانغلاق، وقد ساهمت السياسة على مر العصور في إذكاء الصراع والاقتتال الطائفي، من أجل مصالحها المادية، وقد يعيد البعض هذا الدمار إلى موعد الثورة الإيرانية في تفجير التفكير الطائفي، وقد يكون ذلك صحيحاً، وربما تكون الأسباب أيضاً أبعد من ذلك، وقد تعود إلى دهاء العقل السياسي، وفي استغلاله إلى تلك المكونات الطائفية العميقة في العقل المنطوي على نفسه.
في كثير من الأحيان أشعر بالإحباط عندما أرى وجه الطائفية البغيض يظهر في أحاديث المتعلمين وأصحاب المهن العليا في المجتمعات، عندها لا ألوم كثيراً العوام ، فهم مرآة للخطاب الإعلامي والثقافي والديني في المجتمع، و أشعر بالخطر على مكونات الأوطان، ولعل ما يحدث في العراق مثال صارخ على تسمم العقول بالمشاعر الطائفية، وذلك عندما فجرت الطائفية الكامنة و الكريهة الوطن الواحد إلى مكونات عدائية لديها الاستعداد لحرق البلاد من أجل إرضاء مشاعر الكراهية الطائفية، التي كانت تغذي الكامن الطائفي في العقول على مر العصور، يكاد ينفجر من تضخم مشاعر الكراهية تجاه المختلف.
سقط العرب في امتحان الطائفية المصدرة من إيران إلى المنطقة العربية لأنهم كانوا قبل ذلك ضحية لها، ولهذا السبب كان الرد العربي من خلال آلية التطرف الديني والخطاب الطائفي البغيض، وساهمت المرجعيات السياسية الحاكمة في الوصول إلى هذه الحالة، ولن أحتاج إلى التفصيل في الأمر، فالأسباب في مجملها تعود إلى السياسة غير الملتزمة بمصالح الوطن، والمسخرة لمصالح الفئات، ولعل ما يحدث في سوريا مثال على ذلك.
فنظام الحكم في سوريا لم يكن دينياً في السابق، لكنه وجد في الطائفية الكامنة طريقاً لمقاومة رياح التغيير، والتي بدأت كثورة شعبية تبحث عن الحرية والاستقرار، لكن النظام استدعى الطائفية من جميع الأطراف ، فتحولت البلاد إلى محرقة بشرية، يموت فيها شباب الأوطان العربية، وتضيع فيها الآمال الوطنية، بينما كان المنتصر هو الغريب القادم من خارج الحدود.
حدث نفس السيناريو في اليمن، والذي قامت فيه ثورة شعبية، وحدث التغيير في اتجاه الديموقراطية من خلال حل توافقي للخروج من الحرب الأهلية، لكن النظام القديم لم يكن راضياً عن الحل السياسي المنضبط، وقام باستدعاء الطائفية الكامنة داخل العقول من أجل العودة إلى كرسي الحكم، ولو كان ذلك على حساب اليمن العربي، وفي مصلحة أهداف الأجنبي في الجزيرة العربية.
ما يحدث الآن من حروب طاحنة على الأراضي العربية هو انتصار للطائفية الكامنة منذ القدم، هو أيضاً سقوط لحضارة العرب وثقافتهم ووحدتهم أمام المد الفارسي السياسي في المنطقة، والطائفية في هذه الحروب مجرد شعار في الصراع السياسي، لعل النجاح الإيراني كان في إذكاء التطرف الطائفي الكامن داخل عقول الشيعة العرب، ثم تحريكهم كجنود على رقعة الصراع، وكان الفشل العربي في التصدي للاختراق الإيراني داخل الصفوف العربية بسبب غياب الحلول الحضارية.
كنت أتمنى أن ينتصر العرب الشيعة والسنة إلى ثقافتهم العربية وأوطانهم العربية الموحدة، وأن لا ينساقوا خلف الطائفية الكريهة الكامنة داخل عقولهم، والتي لا يمكن أن تكون وسيلة للوصول إلى مجتمع الاستقرار ودولة الحقوق، وقبل ذلك أن يتحولوا إلى كائنات مدنية، وأن يدركوا أن السياسة غير المنضبطة أشبه بالوسواس الخناس أو الشيطان الذي يتلبس تارة هيئة الشيخ الجليل، وفي تارة أخرى هيئة المارد الشرير، وإذا لم يحتكموا إلى الحكمة الإنسانية التي تقضي بضرورة التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، سيكون الخراب وطنهم، وستكون الجحيم منازلهم، والله على ما أقول شهيد.