قرأت مقال فاطمة العتيبي الذي كان بعنوان (الدخيل أشهر الوزراء الجدد) ونشر في عدد يوم الأربعاء 12 جمادى الأول 1436هـ وأود التعليق عليه: منذ عدة سنوات والمجتمع السعودي يترقب التطوير في التعليم العام، ليس التطوير في الشكل من ألوان ورسومات وأغلفة، بل التطوير الشامل لمضمون العملية التعليمية كافة. لقد مرت عملية التطوير بثلاثة وزراء وعدة وكلاء ومجموعة من الخبراء، وما زال التعليم في مستواه غير المرضي. ينطلق التطوير من الفكر، فالمتتبع لتاريخ أوروبا من المظلمة المتفرقة المتحاربة إلى أوروبا الاتحاد المتقدمة أو الأمة الإسلامية من عصور النهضة إلى الدول النامية ذات نسب الفساد العالية، يجد أنه في زمن المفكرين والعلماء مثل الفارابي وابن سينا وغيرهم كان لهم من يحاربهم ويعاديهم من بيوت الدين فهم أصحاب الهرطقة عند قساوسة الكنيسة النصرانية وهم الزنادقة والملحدين والسحرة عند شيوخ المسلمين ورهبان اليهود. فعلماء الدين كانوا من يقاوم التغيير وينبذ كل جديد ولم يقدموا للإنسانية سوى النقل أو تحليل ما ينقلون عن الأنبياء والرسل وعن بعضهم البعض. فلا يوجد بإسم الدين أدوات طبية أو عملية جراحية أو عدسات مكبرة أو كهرباء أو معادلات رياضية لإطلاق صواريخ فضائية أو أقمار صناعية أو آلات ميكانيكية أو أجهزة إلكترونية وحاسوبية والعديد مما تنعم به الإنسانية كافة في عصرنا هذا. والحال نفسه للأدباء والخطباء والشعراء فهم لتوثيق الأحداث ونقل الأخبار والتعبير عن الأحاسيس وإثارة النعرات وتأجيج التعصب وشحذ الهمم للقتل والدمار وصناعة الطبقية المجتمعية وتغذية الغضب وتمجيد القادة والحكام ولاسيما الطغاة منهم. فلا يوجد قصيدة تنضم لنا خوارزميات لبرنامج يدير آلات مصنع عملاقة أو خطبة مؤثرة لخطيب مفوه بلغة برمجية حاسوبية لأجهزة طبية في عمليات ليزر جراحية دقيقة. ولا يوجد ما كتبه أديب من أدباء اللغات المختلفة كافةً في تصميم طائرة عملاقة تنقل المسافرين من زمن إلى زمن آخر. إن مشكلة التطوير لدينا هي مشكلة في قيادات التعليم من مدراء ووكلاء ومرشدين طلابيين ورواد نشاط طلابي وأمناء مصادر تعلم وكذلك مشرفين ومدراء مكاتب إشراف ومدراء إدارات ومساعدي مدراء تعليم ومدراء تعليم ومدراء عموم ووكلاء وزارة. كيف نطلب التطوير من قيادات تخصصها الأكاديمي (عرب) و(سلم) تلك المواد التي تعد إعدادا عاما من أجل عدم الخروج عن السياسة التعليمية للمملكة في الليات العلمية. مع تحفظي على مدى أهميتها. إن اشتراطات الترشح للمهام والأعمال غير التدريسية في التعليم تستثني دائماً ذوي الإبداع والتميز من أصحاب التخصصات العلمية (الرياضيات، الفيزياء، الأحياء، ...) بحجة ندرة التخصص، ليبقى إبداعهم محصورا في صفوفهم ومعاملهم ومختبراتهم غير المجهزة في الغالب. إن الأولى بقيادة التطوير هم من أخذوا بزمام الصعاب واختاروا التميز واعتادوا على الإبداع في دراستهم الجامعية عندما دخلوا الكليات العلمية وتحملوا قسوة التعليم وسهر الليالي وصعوبة المعادلات وتطبيق التجارب، ونأوا بأنفسهم عن تخصصات الحفظ والتلقين والاتباع وعدم الخروج عن رأي الشيخ. لذا يجب كسر الاحتكار في القيادات التعليمية على ذوي تخصص الإسلامية والعربية وترك الإبداع والتطوير لأهله من ذوي التخصصات العلمية. ولنا في احتكار المنابر والمخيمات الدعوية مع قلتهم خير مثال من ظهور التطرف والتعصب والإرهاب ودعاة القتل لمجرد اختلاف الفكر عوضاً عن الدين (القاعدة، الجيش الحر، داعش...). والجمود وصعوبة التحرك للأمام في العملية التعليمية ليس إلا بسبب محدودية الأفق في القرارات والتنظيمات، فإن فاقد الشيء لا يعطيه. أشخاص تكونوا في تعليمهم على طريقة الشيخ من الحفظ والتلقين والنقل وعدم الخروج على النص المعهود وضمن القواعد اللغوية المعروفة، ألم يحرموا فيما سبق تعليم المرأة، وخروجها للعمل، ومازالوا إلى الآن يكرهون وينازعون في قضايا عملها في المحال التجارية النسائية، والتحفظ على عملها في المستشفيات، وقيادتها للسيارة، وإدخال مادة التربية البدنية للبنات ضمن التعليم، والعديد مما هو متبع في مجتمعات إسلامية وقبلية من حولنا وتربطنا بهم صلات قرابة من رحم ومصاهرة، أليسوا هم من حطم الجوالات وكسر كاميراتها، أليسوا من حرم الانترنت وألفوا الكتب في التحذير من استخدامه وشر فتنته، أليسوا من يدعون بدعية مظاهر الفرح والاحتفال باليوم الوطني، ويكرهون كل جديد، فلا داعي للترفيه بل ترويج ونشر التحريم المطلق للغناء ونبذ الرأي المخالف، ألم نشاهد ما يحدث في مهرجانات التراث والثقافة، ومعارض الكتاب، ولقاءات الإعلاميين والصحفيين، والتدخلات في مواقع التصوير للأعمال الفنية والدرامية، مع وجود التراخيص والأوراق اللازمة، فمن أين لهم التطوير؟. أما أصحاب التخصصات العلمية هم من قدموا ويقدموا للإنسانية أسمى رسائل المحبة والعطاء والاحترام رغم الاختلاففلا تمييز في العلاج الطبي أو القواعد والخطط الهندسية أو البرمجة الحاسوبية، فالدواء حق للجميع، وتقنيات الإعمار والزراعة في كل أرض، والأجهزة الإلكترونية في أيدي الجميع. هم من أنار الأرض واستخرج خيراتها من نفط وغاز ومعادن من استغل الطبيعة للاستخراج الدواء وبناء الجسور والسدود، وهم من قرب وتواصل مع الغائب البعيد. أما فصحاء الخطب والشعراء ملوك الكلمة فليسوا سوى من ينعم بإنجاز علماء الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبرمجيات والهندسة وغيرها مما هي تخصصات نادرة مستبعدة من الترشيح دائماً. إن التطوير في التعليم في حاجة ملحة إلى التغيير في قيادات التعليم، ولابد للتغيير من قرار وزاري ملزم لتعديل التعليمات والاشتراطات والأنظمة المتبعة، وهذا القرار يحتاج لقوة وجرأة لكي يُتخَذ، حتى ولو كان على حساب أشخاص ومحسوبيات لآخرين.
د. فهد السنيد - الرياض