الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد: فإنَّ الحديثَ عن دورِ المرأة في بلادنا ونشرها للعلم هو أمرٌ يكتسب أهميةً، لا سيِّما مع ندرة تطرق الباحثين لهذا الموضوع. بين أيدينا ستُ وقفيات على مخطوطاتٍ تحملُ اسمَ: (فاضلة بنت سنان) تلك المرأة الفاضلة التي لها -رحمها الله- من اسمِها نصيبٌ في فضلِ نشرِ العلم، ووقفِ مخطوطاتِه.
وبالبحثِ عن معلوماتٍ تُعطينا طرفًا عن حياتها، ولِمَامًا من أخبارها، لم أقف إلاّ على قليل من كثير، وكل ما توصلت إليه جاء بالبحثِ والاستقراء. ولعل الباحثين يثرون الموضوع بما يتوفر لديهم من معلوماتٍ عنها.
إنَّ هذه المرأة الفاضلة عاشت في القرن الثالث عشر، وتوفيت في النصف الأول من القرن الرابع عشر، وكانت -على الأرجح- في بلدةِ الرياض أو الدلم، والأول أقرب، كما أرجح أيضًا أنَّها كانت ذاتَ مكانةٍ اجتماعية، وأنَّها ربما كانت أيضًا ذاتُ ثراء مالي، حيث -لا يخفى- أنَّ من كان يوقف ما يزيد عن ثماني مخطوطات في ذلك الوقت لابد وأن يكون من أصحاب اليسار.
وأقدم هذه الوقفيات دوِّن سنة 1282هـ، وأحدثها دوِّن سنة 1301هـ، وجلُّها ضمنِ مكتبة سماحة الشيخ عبدالله بن حسن بن حسين آل الشيخ والذي اصطحبها معه إلى مكةَ المكرمة.
ونلحظ أنَّ الشيخ عمر بن محمَّد بن يوسف قد شهدَ على ثلاث وقفيات، كما يشدنا أنَّ إحدى الوقفيات هي بخطِ العلامة الشيخ حمد بن علي بن عتيق -رحمه الله-، كما أنَّ إبراهيم بن سعيد القويزاني كتب لهذه الفاضلة وقفيتين.
وإحدى الوقفيات هي على مجموعٍ يحوي بين دفتيه ثلاثَ مخطوطاتٍ: الأولى: (الاستغاثة)، لابن تيمية -رحمه الله-، ورقمها: (1472- 1)، والثانية: (بلوغ المرام)، لابن حجر، ورقمها:(1472- 2)، وناسخها علي بن عبدالله بن حمَّاد سنة 1220هـ، والثالثة: قطعة من (الجامع الصحيح)، للبخاري يبدأ بكتاب البيوع، ورقمها:(1472- 3)، وهي موجودة في مكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، ونص الوقفية: (بسم الله الرحمن الرحيم، يعلم الناظر إليه والواقف عليه بأنَّ فاضلة بنت سنان وقفت هذا الكتاب على طلبة العلم بشرط الصيانة، وجعلت النظر لها مدة حياتها {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة - 181)، كتبه شاهدًا به إبراهيم بن سعيد القويزاني، حرر سنة 1284هـ).
والوقفية الثانية: هي على مخطوطةِ كتاب (جامع العلوم والحكم)، لابنِ رجب، ورقمها:(1499)، وتوجد كذلك بمكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، يعلم الناظر إليه والواقف عليه، بأنَّ فاضلة بنت سنان وقفت هذا الكتاب على طلبة العلم، شرط الصيانة، وجعلت النظر لها مدة حياتها {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة - 181)، كتبه شاهدًا به إبراهيم بن سعيد القويزاني، حرر سنة 1284هـ)، وهي نفس صياغة وتاريخ الوقفية السابقة.
أمَّا الوقفية الثالثة: فهي على مخطوطةِ كتاب (الروح)، لابن القيم -رحمه الله-، ورقمها: (1490)، وتوجد بمكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، ونص الوقفية: (يعلم الناظر إليه والواقف عليه بأنَّ فاضلة بنت سنان قد أوقفت هذا الكتاب وقفًا منجزًا واستثنت النظر لها مدة حياتها {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة - 181)، شهد بذلك عمر بن محمَّد بن يوسف، وشهد به كاتبه عبدالرحمن بن عبدالله بن مطلق، سنة 1282هـ)، وقد تكررت هذه الوقفية على نفس المخطوطة لكن بصيغة مختلفة ونصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، أوقفت فاضلة المذكورة أعلاه هذا الكتاب على الأخ حسن بن حسين آل الشيخ، وكتبه شاهدًا به حسن بن عبدالله، وكفى بالله شهيدًا وصلى الله على محمَّد) قلت: وعمر الشيخ حسن عند كتابة هذه الوقفية ستة عشر عامًا.
والوقفية الرابعة: هي على مخطوطةِ (الكافية الشافية)، لابن القيم، ورقمها: (1483)، وتوجد بمكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، ونص الوقفية: (الحمد لله رب العالمين، يعلم الناظر أنَّ فاضلة بنت سنان قد أوقفت هذا الكتاب وهو النونية، وقفًا منجزًا، لا يباع، ولا يرهن، واستثنت النظر لها مدة حياتها {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} (البقرة - 181)، شهد بذلك عبدالله بن درهم ، وعمر بن يوسف، وكتبه شاهدًا به حمد بن عتيق)، ولم تذكر سنة الوقفية، وكتب في جانب طرة المخطوطة: (والنظر للشيخ حسن بن حسين بن علي -حفظه الله تعالى-).
والوقفية الخامسة: هي على مخطوطةِ كتاب (الأدب المفرد)، للبخاري، ورقمها: (1284)، وتوجد بمكتبة الأمير سلمان بجامعة الملك سعود، ونصُ هذه الوقفية: (بسم الله الرحمن الرحيم، يعلم الناظر إليه بأنَّ فاضلة بنت سنان قد أوقفت هذا الكتاب المسمى بالأدب المفرد على طلبة العلم، بشرط الصيانة، ولا يمنع من أراد الانتفاع به، وجعلت النظر لها مدة حياتها، شهد بذلك عمر بن يوسف، وكتبه شاهدًا به عبدالله بن عبدالعزيز الدوسري، جرى في سنة ست وثمانين بعد الألف والمائتين، وصلى الله على محمَّد وآله وصحبه أجمعين، {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة - 181).
والوقفية السادسة: هي على مخطوطة كتاب (أقسام القرآن)، لابن القيم، ورقمها: (1480)، وتوجد بمكتبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجامعة أم القرى، ونصُ هذه الوقفية: (ثم انتقل بملكه إلى فاضلة بنت سنان، وقف على طلبة العلم، قاله كاتبه حسن بن حسين آل الشيخ، وصلى الله على سيدنا محمَّد، وآله وصحبه، سنة 1301هـ)، وذيلت بختم مالكها السابق وبائعها إليها، الشيخ حسن بن حسين آل الشيخ.
فقد اشترتها هذه السيدة الفاضلة من الشيخ الفقيه حسن بن حسين بن علي بن حسين آل الشيخ سنة 1301هـ، وأوقفته بدورها على طلبة العلم، وكتب ذلك المالك السابق الشيخ حسن بن حسين آل الشيخ، وذيله بختمه أيضًا والذي تملكها سنة 1299هـ بالشراء من ناصر بن عبدالرحمن بن عبيكان بثمن قدره أربعة أريل، وذيل بختم الشيخ حسن بن حسين. وكان عمر الشيخ حسن آنذاك ثلاثة وثلاثين عامًا.
وفي طرة المخطوطة من الناحية الأخرى قيد استعارة من مالك المخطوط الأصلي الشيخ حسن، وذيل القيد بختم المستعير، والذي لم أتبين اسمه. ودون داخل المخطوط اسم مهدي المخطوط لجامعة أم القرى، وهو معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ حفيد مالك المخطوط الشيخ حسن بن حسين، وتاريخ الإهداء في 11 جمادى الثانية سنة 1396هـ وقطعًا أنَّ المخطوطة آلت قبل ذلك إلى ملك ابن المتملك الأصلي سماحة الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ، ثم إلى ابنه معالي الشيخ حسن مهدي المخطوطة.
ويبدو أنَّ تملك هذه المحسنة فاضلة بنت سنان كان تملكاً شكليًا، بغرض وقف المخطوط، وتحصيل الأجر، بدليل أنَّ المخطوط آل بعد ذلك إلى ابن المتملك الأصلي ومن ثم آل إلى حفيده، وهذا يوحي أنَّ هناك علاقة ما بين المالك الأصلي الشيخ حسن بن حسين والمتملكة الجديدة.
هذا ما تيسر الوقوف عليه من وقفياتٍ لهذه المرأة الفاضلة المحسنة، جعل اللهُ ما عملته من إحسانٍ في موازين أعمالها الصالحة يومَ القيامة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمَّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
- عبدالمحسن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ