إبراهيم عبدالله العمار
يمتلئ الفلكلور الياباني بأنواع كثيرة جدًا من الغرائب، فالعقلية اليابانية إبداعية بطبيعتها ولا تفرض على نفسها الواقع المجرد وإنما مهما كان عمر الشخص أو تعليمه فإنه يتعلق بالخيال ولو قليلاً، ولا تستغرب لو ذهبتَ لليابان ورأيتَ في قسم المجلات رجالاً يتصفحون القصص المصورة (المعروفة عندهم بكلمة «مانغا») التي نربطها نحن بالأطفال، لكن ليس هذا التفكير المحدود والقاصر لديهم، بل العقلية اليابانية تشجع الإبداع وتعشق الخيال مهما كان العمر، وكم يعجبني هذا في اليابانيين، فليسوا مثل بعض الشعوب الأخرى - كالعرب وغيرهم - التي فرضت على نفسها الجدية المبالَغة بلا سبب، ربما ظنًا أن الجدية الواقعية من إمارات الرزانة والعقل، وليست كذلك، بل الخيال والإبداع من أعظم صفات البشر في رأيي ومن مُتَع الحياة أن يغوص فيها المرء، سواءً أفكاره هو الإبداعية التخيلية أو أفكار غيره. وبعض أمتع الذكريات عند الناس هي المسلسلات اليابانية المتحركة المدبلجة مثل كابامارو وجزيرة الكنز وكابتن ماجد وغراندايزر وهايدي وسالي وريمي وغيرها. هذه الأعمال الفنية الرائعة لم يأتِ بها أطفال بل كبار، لو فرضوا على أنفسهم الجدية الشديدة - الموجودة في مجتمعنا - لما خرجت هذه التحف الترفيهية التي أمتعت الكثيرين.
غير أن الخيال الياباني ليس قائمًا على الترفيه فحسب بل يمتد إلى أشياء كثيرة تصير مشكلات أحيانًا، فمن الأشياء المنتشرة في تقاليدهم وتاريخهم شيء اسمه «سوكوموغامي»، وفكرتها أن الجماد - أيًا كان - إذا تمَّ له من العمر مئة سنة ترك عالم الجماد وصار حيًا، ويكون في هذا شيء سلبي في الغالب كأن يصير الشيء مسكونًا بوجودٍ شيطاني، ومن أمثلة ذلك الوحش «باكيزوري» الموجود في التراث الياباني، فهو عبارة عن زوج من أحذية صندل ياباني كان في بيتٍ لا يُحسِن معاملة الأحذية (!)، فتحوّل إلى سوكوموغامي وصار مسكونًا، ويخرج في الليل مُنشدًا: سِنّان وثلاث أعين. إشارة للفتحات الثلاث في الحذاء وقطعتان بارزتان من أسفل الحذاء. وهناك «منرايكي»، وهذه قديمة وتوجد في كتاب ياباني وُضِع عام 1781م يذكر قائمة بالوحوش الخيالية في الفلكلور الياباني، وذكر منها منرايكي وهي أقنعة مسكونة. «كاساأوباكي» كذلك مما تشمله سوكوموغامي، وهي مظلة مطر عادية اكتسبت عينًا وتأخذ تقفز على قدمها الواحدة لتخيف الناس. لم يَسلَم شيء من هذه الأساطير، فالأكواب والساعات والمرأيا وكل شيء في البيت له شخصية سوكوموغامي في التراث الياباني، حتى لفّات القطن وألحفة الأسرة!
أحيّي الخيال والإبداع الياباني، فهو فريد من نوعه، إلا إذا صار مخيفًا للأطفال فأبعده الله!