د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يعترف مستهلكو النفط بأن السعودية أدارت أزمة خام النفط بشكل جيد بما يحفظ مصالح الأعضاء. وأثبتت السعودية أن أوبك منظمة حيوية، لم تمت كما يدعي أو يتمنى البعض. رفضت السعودية أن تقوم بدور المنتج المتأرجح، ورفضت تحميل خفض الإنتاج على منظمة أوبك إذا لم تشارك الدول المنتجة من خارجها، وترى أن إجراء تخفيضات على سقف الإنتاج تجربة ثبت فشلها في الثمانينيات من القرن الماضي، ولن تكرر السعودية الخطأ مرة أخرى.
السعودية ملتزمة بالإسهام في تحقيق التوازن في سوق النفط العالمية؛ لأنها تعتبر استقرار الأسواق ركيزة أساسية لسياساتها النفطية.
رغم التوترات الجيوسياسية في ليبيا والعراق، وخصوصاً بعدما أضرم داعش النار في آبار نفطية لصد تقدُّم مسلحين شيعة وجنود عراقيين، وفي ليبيا أدى تدهور الأوضاع الأمنية إلى إغلاق 11 حقلاً نفطياً، وكان الإنتاج النفطي في ليبيا في مارس 400 ألف برميل يومياً دون المستويات البالغة 1.6 مليون برميل قبل الانتفاضة عام 2011، إلا أن وزير البترول السعودي يتوقع استقرار أسعار النفط التي اقتربت من أدنى مستوياتها خلال ست سنوات في يناير.
أي أن السعودية رغم التوترات الجيوسياسية التي ساهمت في إرساء أساس يتيح للأسعار استعادة بعض قوتها المفقودة بجانب ارتفاع عقود النفط الآجلة بفعل المخاوف بشأن تلك التوترات الجيوسياسية.
السعودية (أكبر منتج للنفط في أوبك) متمسكة بسياساتها في الدفاع عن حصتها السوقية، بل ألمحت السعودية إلى حالة من الرضا عن التطورات الحالية في سوق النفط، وخصوصاً بعد استمرار انخفاض الطلب من الدول كثيفة الاستهلاك، مثل الصين، والدفع باتجاه زيادة الطلب الذي يحدث بخطى أبطأ مما يتوقعه عدد من المحللين الاقتصاديين، بسبب أن الاقتصاد العالمي لم يتعافَ بشكل كامل.
تسبب هبوط أسعار النفط في أضرار لأعضاء أوبك الصغار، لكنه أضر الاقتصاد الروسي بشدة؛ ما جعل بعض أعضاء أوبك يواصلون ضغوطهم لخفض الإنتاج، وعقد اجتماع طارئ للمنظمة، لكن السعودية رفضت تلك الضغوط، وأصرت على موقفها المتمسك بالحصص الذي زاد من وتيرة الضغوط على صغار المنتجين، وخصوصا إيران وروسيا. وإثر تلك السياسة التي تتبعها السعودية انتقد إيجور سيتشن الرئيس التنفيذي لروسنفت الروسية أوبك، وبشكل خاص السعودية (الدولة الكبرى في المنظمة)، بدعوى زعزعة الاستقرار في سوق النفط.
تتمسك السعودية بسياسة انخفاض أسعار النفط، وتعتبر 60 دولاراً للبرميل مناسباً لها ولبقية دول الخليج.
هناك ضغوط على روسيا التي تفقد 50 مليار دولار بسبب تراجع عائداتها النفطية، وستنفق الحكومة الروسية أكثر من نصف الصندوق الذي تبلغ قيمته حالياً 85 مليار دولار؛ ما يخفض سريعا المخزونات المالية.
بينما الأجندة الاقتصادية هي أنه ستقوض تلك السياسة حجم المعروض وفقدان العديد من حقول النفط غير القادرة على المنافسة، وخصوصاً على المديَيْن القصير والطويل، وخفض الإنفاق الرأسمالي على إنتاج النفط الخام والغاز في مناطق عديدة غير قادرة على المنافسة، وبشكل خاص النفط الصخري؛ ما يقلص من المعروض على المديَيْن المتوسط والطويل.
انهارت أسعار النفط من 115 دولاراً للبرميل في يونيو 2014 إلى نحو 45 دولاراً قبل أن تستقر عند مستوى 60 دولاراً مع بداية مارس 2015. وبعيداً عن نظريات التواطؤ والمؤامرة فإن العالم شهد في الفترة الماضية زيادة في الاستثمارات؛ ما جعلنا نشهد مستويات إنتاج أعلى من حقول نفط أكثر تكلفة من ناحية التطوير أو التشغيل، مثل الحقول الواقعة في المياه العميقة، وحقول القطب الشمالي، وحقول النفط الخام الثقيل في كل من كندا وفنزويلا، وحقول النفط الصخري في الولايات المتحدة التي ساهمت في زيادة الإنتاج بنحو 3 ملايين برميل يومياً في السنوات الثلاث الأخيرة.
شركات المناطق المغمورة تمثل خمس عمليات الإنتاج أو ثلث الحقول، وهو غير مربح بعد انخفاض أسعار النفط.
حرب الاستنزاف النفطية تكتب شهادة وفاة حوض بحر الشمال بعد ذروة إنتاج بلغت 4.5 مليون برميل يومياً قبل 15 عاماً، وانخفض الإنتاج في 2014 إلى 1.42 مليون برميل من معادل النفط يومياً رغم الاستثمارات القياسية.
الخام التقليدي، وخصوصاً الخليجي، أكثر قدرة على استيعاب المتغيرات، وخصوصاً أنها تتمتع بمراكز مالية واحتياطيات جيدة؛ تمكنها من التعامل مع انخفاض أسعار النفط.
تمسكت السعودية بحصصها إذا لم تطلب الدول المستهلكة تخفيض واردتها من السعودية. وإن التاريخ كما أكد النعيمي سيثبت صحة قرار المنظمة التي تقودها السعودية؛ لأن انهيار هيكل الأسعار يومئ بميلاد طفرة صناعة نفطية جديدة.