د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اكتشفت الولايات المتحدة قطار آسيان العملاق الذي يمكن أن ينافس الصين في قيادة الانتعاش العالمي، ناتجه المحلي الإجمالي يضعه في المركز السابع ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم بقيمة 2.4 تريليون دولار في عام 2013، تمكنت الصين من أن تصبح الشريك الأول للآسيان بعد أن كانت الشريك الثالث بعد الولايات المتحدة واليابان فبل عقد من الزمن شعرت الولايات المتحدة بغصة نتيجة الاستحواذ الصيني الذي يقلص من الهيمنة الأمريكية.
ينتاب الولايات المتحدة قلق عميق من تفاقم العجز التجاري مع الصين، وبحلول عام 2050 ستشكل الصين ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسهم بقية آسيا لتجعل نصيبها يصل إلى أكثر من النصف مرتفعة من 20 في المائة في 2013، بينما تشكل الولايات المتحدة وأوربا أقل من 15 في المائة رغم أن الكثيرين يشككون في مثل تلك التنبؤات ولكن تقدم الولايات المتحدة القلق على اليقين.
إشكالية تحرير التجارة العالمية وضعت أوباما في مرمى النيران الصديقة، والديمقراطيون مناصرو تحرير التجارة في مأزق تضارب المصالح، وقرارات أوباما كانت مرتبطة حول توقيت منطقة الباسيفيك، بدلاً من مناطق التوقيت حول الأطلسي.
أمريكا تراهن على محور آسيا في كبح جماح الهيمنة الصينية، حتى أن الصين انتقدت تحالفات واشنطن الجيوسياسية العسكرية والاقتصادية في آسيا، ودعت الصين دول جنوب شرق آسيا إلى التعاون في صياغة هيكل أمني للقارة، خصوصاً بعد توقيع الولايات المتحدة اتفاقا مع أستراليا في مجال التعاون العسكري، اعتبرت الصين الخطوة تصديا لنفوذها في المنطقة.
جعلت الولايات المتحدة دول الآسيان أن يعبروا عن قلقهم من توترات بحر الصين الجنوبي من دون انتقاد بكين بشكل مباشر، ووقعت أمريكا اتفاقية جمركية مع دول الآسيان الأقل نمواً، ورفضت الولايات المتحدة انضمام الصين إلى محادثات منظمة التجارة العالمية حول ملف الخدمات (تيسا) وهي ثالث أكبر سوق للخدمات في العالم.
على الجانب الآخر حاولت الولايات المتحدة إضعاف وتقليم أظافر الدب الروسي، حتى اتهمت موسكو واشنطن بتدمير علاقاتها الاقتصادية مع الأوروبيين، خصوصاً بعد تراجع الاستثمارات الأوروبية مع روسيا بعد أزمة اختلاق أزمة أوكرانيا التي وظفتها أمريكاً توظيفاً جيداً لصالحها.
أصبحت الولايات المتحدة أكبر مستثمر في أوروبا بقيمة 313 مليار يورو عام 2013، بينما تستثمر أوربا في الولايات المتحدة بقيمة 159 مليار يورو من أصل 341 مليار يورو تستثمر خارج أوروبا، بينما تقدر استثماراتها في الداخل الأوروبي بقيمة 327 مليار يورو، لذلك دخلت الولايات المتحدة في جولات متقدمة مع الجانب الأوروبي للوصول إلى تجارة حرة، لأن أوباما يود أن يبقي الولايات المتحدة حريصة على قيادة الاقتصاد العالمي لضمان سلاسة أداء الاقتصاد العالمي.
رغم ذلك، الولايات المتحدة قلقة من مواجهة بوتين سياسة الولايات المتحدة التمحور في آسيا خصوصاً مع عقد صفقة غاز صينية روسية مدتها 30 عاما قد تصبح سياسة أوباما التمحور في آسيا خالية المحتوى فعلى أوباما استعادة المبادرة الجيوسياسية وكسب رجل الهند القوي الجديد باعتبار أن الهند المرجع العالمي في القرن الـ 21 ولكن كانت أول رحله لمودي إلى اليابان والصين لقدرتهما على تنفيذ مشروعات كبرى وخلق وظائف في قطاع الصناعة.
الصين تسعى للهيمنة على الباسيفيكي بنقلات متدرجة، بعد ضغط بكين على آبي رئيس وزراء اليابان في اتجاه إعادة صياغة الدستور، بما يتيح لليابان الدفاع عن حلفائها في المنطقة، وتقيم الصين شراكة إستراتيجية شاملة مع العرب، خصوصاً مع أكبر دولة في المنطقة وهي مصر وتؤكد الصين على إعادة إحياء طريق الحرير، تستهدف الصين دعم الاستقرار وتبادل وجهات النظر حول الأوضاع الإقليمية.
اللغز الجيوسياسي الحقيقي لبلدان بريكس هو ما إذا كانت الصين قادرة أو مستعدة لتشكيل نواة للمجموعة، تماما مثلما تعمل الولايات المتحدة باعتبارها جوهر التحالف الغربي.
لدى الحكومتان الروسية والهندية مشكلات مع عالم أحادي القطب مركزه في واشنطن، لكن لا روسيا ولا الهند في عجلة من أمرهما للتنازل لصالح الصين، لذلك تشك الدول في محاولة قلب البريكس معادلة الإقراض العالمي بإنشاء بنك منافس للدولي وفتحت باب المشاركة لاقتصادات ناشئة مثل تركيا والسعودية وإندونيسيا وماليزيا والأرجنتين.
يبدو أن أوباما واثق من أن سلطة وثروة أمريكا تسمح له بالإفلات من عواقب السلوك غير المبالي في منطقة الشرق الأوسط، وأن العالم سيدفع الثمن باهظاً نتيجة حماقة واشنطن، وترك الطموحات الإيرانية التوسعية في الدول العربية من أجل التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني لضمان أمن إسرائيل فقط.
الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط أجبر الدول الإقليمية مثل السعودية أن تتجه نحو الدفع لتشكيل رؤية إقليمية عربية مشت ركة لمواجهة النفوذ الإيراني التوسعي المتعلق بأوهام القدرة والنفوذ رغم العقوبات الغربية المفروضة عليه وانخفاض أسعار النفط التي رفضت السعودية التدخل لخدمة أعدائها.
حاولت الرياض قيادة محور خليجي عربي ينتظر أن تقود ملامح تفاهم سعودي تركي حول سوريا التي بدأت تظهر إلى العلن، وستجمع المصالح الحيوية ما بين تركيا ومصر حول الغاز في المياه الإقليمية للبلدين، حيث تقود إسرائيل حلفاً بينها وبين قبرص واليونان لحرمان أكبر بلدين في المنطقة هما مصر وتركيا.
التوافق السعودي المصري التركي سيحيد النفوذ الإيراني الذي يهدد المنطقة ويقايض اليمن بسوريا، لأن مصلحة الولايات المتحدة ليس في حل الأزمة السورية أو اليمنية أو الليبية، بينما مصلحتها في العودة إلى العراق لمواجهة إيران في المنطقة، وتحجيم الدور الروسي في المنطقة، لذلك هي ليست في عجلة من أمرها في التوصل إلى تسويات كبرى في المنطقة، بينما على الدول الإقليمية القيام بمثل تلك الأدوار نيابة عن الولايات المتحدة.
بل تستخدم الولايات المتحدة تلك الأزمات وسيلة لتقليم قدرات دول المنطقة ليبقى الصراع دون حسم، لضمان أمن إسرائيل وتظل في حالة من الارتياح حتى يتوصل الطرفان إلى حل تقبله جميع الأطراف من خلال القبول بقرارات صعبة كانت ترفضها جميع الأطراف في الماضي.
لذلك هي ليست عجلة في القضاء على داعش، بل تستثمره وتستخدمه ورقة وسلاح في تنفيذ أكبر قدر ممكن من أجنداتها التي لم تتمكن من تحقيقها في الماضي حتى من خلال غزو العراق والتي تكبدت فيها خسائر بشرية ومالية والآن تعود القوات الأمريكية بطلب من دول المنطقة بعدما طردتها من العراق.