د. جاسر الحربش
استكمالاً للحلقة السابقة، أود أن أذكِّر القارئ الكريم بأن المشروع السياسي الإيراني لا يفرِّق بين عربي سني وعربي شيعي، لأنه لا يهم الساسة الإيرانيين أن يكون العربي شيعياً بقدر ألا يكون مزدوجاً، أي أن تجتمع العروبة والتشيع في شخص واحد. من هذا المنطلق أخلص إلى زبدة المقال.
الزبدة المهمة هي أن العرب يواجهون اليوم، سنة وشيعة، مسلمين وغير مسلمين، تحدياً قومياً عنصرياً من إيران، فإن ضيع بعضهم البعض فلربما ضاع الجميع. الوضع يدعو للقلق، خوفاً من حدوث ما حدث في فرنسا وبولندا أيام الاحتلال النازي، ثم ما ترتب عليه من نتائج بعد ذلك. بعد تحرير فرنسا وبولندا من الغزو الألماني حصلت ملاحقات ومذابح ومحاكمات وتصفية حسابات مع الفرنسيين والبولنديين الذين تعاونوا مع المحتل الألماني.
المفاصلة المذهبية على مستوى المؤسسات والمرجعيات الدينية والأفراد في مثل هذا الظرف التاريخي تضر ولا تنفع، لكن الوضع يدعو بالفعل إلى القلق.
نبدأ من اليمن، هل يشك أحد في عروبة أتباع المذهب الزيدي في اليمن؟ هم عرب أقحاح من جذور الأصول العربية الأولى، لكن واقع الحال يقول إنهم ينشرون الفوضى والخوف حالياً في اليمن بأجندة إيرانية وبالشعارات الإيرانية ذاتها، ويتبنون الأهداف نفسها التي لغمتهم بها الحكومة الإيرانية. لماذا؟، لأنهم يقدمون المذهب على اللغة والوطن والتاريخ، هل جميع أتباع الزيدية يؤيدونهم؟. بالطبع لا، ولكن من يحمل السلاح ويقبض المال يسيطر على الشارع، وهؤلاء خدعوا الثورة اليمنية بوقوفهم معها ضد علي عبدالله صالح، ثم تحالفوا لاحقاً معه بعد انتصار الثورة عليه. في العراق وسوريا ولبنان حصل الشيء نفسه. هل كل الشيعة العرب في العراق ولبنان والعلويين في الشام يؤيدون حكومات الظل الإيرانية هناك؟. بالطبع لا وللأسباب نفسها. التصفيات ضد العراقيين العرب الشرفاء من قبل عملاء إيران على سبيل المثال لم توفر شيعة ولا سنة.
ماذا لو مارست الدولة الإيرانية، القومية في الجوهر المذهبية في الشعار، حماقة ما قبل الانهيار الداخلي وهاجمت البحرين أو الكويت أو المنطقة السعودية الشرقية؟. هل سوف يصطف بعض الشيعة العرب هناك مع الغزو الإيراني؟. لا أتوقع، وأرجو أن لا يحصل ذلك، تفادياً لما حصل في فرنسا وبولندا بعد الحرب العالمية الثانية. لكن، ولأن الأمل يخضع لمختلف الاحتمالات، أقول إننا جميعاً بحاجة إلى الوضوح والمصارحة. التعامل مع القاعديين والدواعش وخونة الإرهاب السني واضح، وسوف تطالهم أيدي العدالة في كل دولة عربية ينتمون إليها وينالون الجزاء المستحق على الخيانة، ولن يشفع لهم الانحياز المذهبي. هذا التعامل ينطبق على كل من يخون وطنه وقومه بصرف النظر عن ملته ومذهبه، والكلام للعقلاء على وجه الخصوص.