عبدالحفيظ الشمري
ما الذي علينا فعله حينما نهزم «داعش» وندحرها؟؟.. سؤال بحجم معضلة هذا المأزق الكوني الذي نعيشه، ونحن هنا ممن لا حول لنا ولا طول، إذ ننظر بهلع إلى هذه الحرب والفوضى التي عصفت ولا تزال تعصف بأحوال من حولنا، وما تحالف أكثر من ثلاثين دولة بمثل هذه الحرب التي أعدت على عجل إلا سعي للخروج من مأزق قلة التوفيق، وعدم التقدير لعواقب وأخطار التهاون في لجم الصراعات التي قد لا تجد من يخمدها، أو يسهم في حل مشكلاتها وأسبابها، ناهيك أن هناك من يؤججها ويستغلها، مما نتج عنه هذه الكوارث والمصائب.
فحينما نقضي على هذا التنظيم وندحره - نحن هذه الأمم المتحالفة ضد داعش - حتماً سنجأر بسؤال شاكي .. هل نقول أو نزعم بأننا قضينا على «داعش» أم على الإرهاب، أم عليهما معاً؟؟ لكن الإجابات قد تطول وتتململ، وقد تراوغك بين فُرْقَة الأحلاف، وتمزق الأهداف، وغناء الأعراب كل على ليلاه، أما مَنْهُم ليسوا عرباً أو أعراباً فإنهم سيجارونك بمكر ودهاء، ويستفزون مشاعرك كإنسان عادي تنتظر الخلاص من هذه المآزق على نحو تذكيرك بأخطار قائمة كطالبان والقاعدة وداعش والأحزاب والعصائب والطوائف، والمنظمات والفرق التي لا تحمل إلا الشر، والله أعلم بما سيأتي بعدها من تلك الفزعات التي تتوالى عليك دون أن يكون لك ذنب سوى أنك عربي مسلم ومسالم تبحث عن الآمان!
ولا شك أن المجتمع معني بالدخول في هذا الحرب والتعامل معها بوعي وفطنة، لأن القضية ليست حربية وعسكرية خالصة - كما يقول المتفيهقون - إنما هي سعي إلى فكر معتدل، ووعي جمعي متميز، يعالج هذا المد المتطرف أياً كانت هيئته أو صفته، فيناجزه بالوعي وقوة العقل، التي تبني رؤية الإنسان المحب للخير، والساعي إلى تجنيب الأمة مزالق الطيش والتهور والنظرة الصِّفْرِيَة والتشاؤم بأن لا حلول هنا سوى الدم وطريق العنف، بينما كل المجتمعات بمختلف تشكلاتها تنتظر دوراً أخلاقياً في التعامل، وطرحاً مفاهيمياً لصور العدل وكرامة الإنسان قبل أن يكون بطشاً وغلظة وتشدداً في الرأي والمنهج والسلوك.
وبما أن هذه الحالة المؤذية والمرعبة لهذه الكيانات الإرهابية التي تتواصل وتتشكل وفق رؤى متناقضة لا شك أنها بحاجة إلى شقين ضروريين، واحد علاجي وآخر وقائي، فطالما أن الأمر قد وقع ولا قدرة لنا على إيقافه فإننا من المفترض قبل العلاج أن نكون متعلقين بالشق الوقائي الذي يبحث أعماق هذه المشكلة ويسعى إلى تشخيصها ومن ثم حلها، حيث تكمن أولى الخطوات في أن يلتفت الجميع إلى حل المشكلات الاجتماعية ومعالجة الظروف الإنسانية القاسية، والابتعاد عن إثارة المشاعر وتعميق الخلافات.
فالأولويات أو الضروريات هنا دائماً ما تكون في نجاح الفرد وأسرته من خلال الحلول التربوية السليمة والمتوازنة التي يرى الكثير من الباحثين والدارسين أن غيابها أو فقدانها هو سبب من أسباب التطرف، بل هناك من يزعم - والزعم ليس كذباً - أن فقدان العدل وغياب التربية وكثرة المشكلات الإنسانية هي من جعلت جل هؤلاء الشباب ينحرفون في كل الجهات، إما لجهات تدميرية في الصحة وسلامة العقل على نحو المخدرات التي تؤدي بهم إلى حفر الضياع، أو إلى التطرف والغلو، ليستلبوا ويدخلوا في أنفاق إرهابية دموية مظلمة.
فحينما نهزم «داعش» ونتخلص منها، علينا أن نسعى بجد وعزيمة للقضاء على ما يشبهها، أو ما يضاهيها بالجرم والقتل وسفك الدماء من منظمات وعصائب وكيانات وألوية وفيالق إرهابية لا تقل خطراً عنها.