من يتأمل مرحلة الشباب ويتمعن فيها، لا شك أنه سيقف على منعطف إنساني مهم في الحياة، بل هو مفترق طرق قد تتوه فيه الكثير من التجارب، ما لم تكن هنا قيادة محنكة في أسلوبها، وواضحة في توجهها وسلامة مقصدها، مع توفيق الله في الأساس، إذ تجد في هذا المشهد أن الكثير من الشباب تميزوا وأبدعوا وهم في قمة معاناتهم، فيما آخرون يتمتعون بالكثير من الدلال والمال ومع ذلك لم يحققوا أي نجاح، أو يخدموا ذواتهم ومجتمعهم بشكل مفيد.
من هنا نتأمل ونطالع باهتمام بالغ أهمية دور الشباب في بناء رؤية تعليمية سليمة، وتخطيط علمي واقعي، واستلهام حقيقي للمشاريع الإنسانية الحيوية، والمنجزات المتميزة في حياة الأمم لا سيما ما يوجه لهم، ونحدد في هذا الاتجاه البرامج التنموية في المجال الاجتماعي والثقافي والعلمي، أي أن الشباب هم الذين يجدر فيهم النهوض بمثل هذه البرامج، ليسعوا إلى تحييد فكرة أن هناك من يعمل نيابة عنهم، أو يمارس وصاية عليهم، من أجل أن تكون هناك أبحاث ودراسات حقيقية في مجال حياتهم، وبناء حاضرهم، وتطلعهم إلى المستقبل.
وبما أن فئة الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 و30 سنة، فإن هذه الفئة تقدر بأكثر من (خمسين بالمائة) من حجم السكان بالمملكة، وهي التي تسيطر على المشهد التنظيمي والتخطيط والتوقعات والاستطلاعات المتعلقة بمعدلات النمو واحتياجات المجتمع، ووفق هذا الواقع وتماشياً معه فإن من المهم قيام تخطيط دقيق، ودراسات تأصيلية، وأبحاث نوعية حول عالم الشباب، يسهم فيها الجميع، ويضطلع الجيل الجديد بمهام تقييم الواقع، وفهم متطلبات حياتهم، وتحولات العصر من حولهم.
وبما أن مراكز القياس، ومعامل الاستطلاع، واستمزاج الرأي لدينا شبه مفقودة فإن من المهم القيام بدور عملي لجيل الشباب، يعمد إلى قيام برامج تنمية سريعة، تكون بديلا عما هو قائم من أعمال تقليدية، فيعد للأسر والمجتمع متطلبات الحياة الضرورية، بما فيها احتياجات أجيال المستقبل وفق رؤية إستراتيجية مرنة، تحقق نتائج ايجابية، ليكون لجيل الشباب دور في صياغتها وتكوينها وتقديمها للمجتمع.
أما وإن كان هناك مراكز قائمة تهتم بهذا الشأن على نحو (المركز الوطني لأبحاث الشباب) وجهات أخرى تبذل جهوداً لا بأس بها، فإن دورها هنا يتعاظم وتصبح مخولة لأن تكون منطلقاً لهذه الأعمال التي تعنى بتنمية الإنسان، والرفع من قدراته، وتلبية احتياجاته، وغرس مفاهيم علمية وبحثية تسهم في بناء فكر هذه الفئة والتطلع إلى خدمة ذاتها وكيانها، واستغلال قدراتها بما يحقق الفائدة والنفع للجميع.
فمن الأجدى تلمس النتائج الإيجابية والواقعية.. أي أن تكون هذه الأبحاث والدراسات حول الشباب نابعة من احتياجاتهم الضرورية، ومن توجهاتهم الفكرية والثقافية، وأنماط العيش التي يتطلعون إليها، لا سيما في زمن الاستهلاك، وطغيان المادة التي تعد حالة كونية عامة يعايشها الجميع، وليست حكرا على أي فئة معينة، أو مجتمع بحد ذاته.
كما يتطلب الأخذ بالاعتبار أن هؤلاء الشباب ليسوا بقدرة عقلية واحدة، أو توجه معين إنما هناك من هو موهوب ومتميز، فيما آخرون قد يكونون محدودي القدرات، أو أن لديهم معاناة ومعوقات، ومشاكل أسرية وإعاقات متنوعة، لذا من الأهمية بمكان أن يكون هناك تصنيف عملي وفرز لحالات الشباب، ليسهل التعامل مع هذه الرؤى وتحديد الأولويات أو الضرورات قبل قيام أي مشروع يراد به خدمة هذه الفئة.