عبدالله بن محمد أبابطين
عند الحديث عن الأمير محمد بن عبدالعزيز بن جاسر بن ماضي رحمه الله فإن ذلك يفتح باباً من أبواب التاريخ اقترن بمؤسس كيان هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل رحمه الله فلا شك أن الشاب إبن الأسرة الكريمة والذي لم يتجاوز عمره خمسة عشر عاماً يتصف بالذكاء والقيادة وحسن الإدارة يصبح أميراً على بلدة آبائه وأجداده روضة سدير لذا فإن الملك يعرف كيف ومن هم الرجال الذين يعتمد عليهم في توحيد وإدارة هذه البلاد.
ولد سنة 1318هـ في روضة سدير والده الأمير عبدالعزيز بن جاسر بن ماضي وعندما توفي والده سنة 1329هـ كان عمره تقريباً أحد عشر عاماً وتولى إمارة روضة سدير بعد وفاة أخيه الأمير جاسر بن عبدالعزيز بن ماضي سنة 1333هـ وكما أشرنا لم يتجاوز خمسة عشر عاماً ووالدته السيدة الفاضلة هيا بنت عبدالرحمن أبابطين من بيت علم وجاه والتي قامت بتربيته وإخوانه خير قيام وكانت رحمها الله ذات رأي سديد وشفقة بالضعفاء والمساكين, ولقد شهد الأمير محمد عدة غزوات أيام توحيد هذه البلاد تحت راية الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل وعندما رأى منه الملك عبدالعزيز النجابة والذكاء والمعرفة بالقبائل والأسر فقد ولاه إمارة مقاطعة ضبا 1352هـ ثم إمارة القنفذة 1354هـ ثم إمارة مقاطعة جازان سنة 1355هـ وبعد ذلك صدر أمر بنقله أميراً على مقاطعة الظهران سنة 1358هـ إلى أن طلب الإقالة من العمل بسبب مرضه ومكث في روضة سدير من سنة 1364هـ إلى سنة 1370هـ وبعدها سافر للعلاج في لبنان وتوفي ودفن رحمه الله في لبنان في شهر رجب 1372هـ. كان رحمه الله قريباً من الملك عبدالعزيز وأبنائه وبالذات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز رحمه الله وكان الجميع يكن له الاحترام والتقدير وكان لحديثه وفهمه وذكائه يجعل الكل يصمت عندما يتحدث فهو ذو إطلاع وأسلوب شيق ومعرفة بالتاريخ والمغازي وقد سجل له الأستاذ فهد المارك رحمه الله في كتابه من شيم الملك عبدالعزيز قصة جميلة تروي مدى حرصه ووفائه إلى جانب عشرات القصائد التي قيلت فيه منها قصيدة حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفه والتي وردت في كتاب روضة الشعر يمتدح الملك عبدالعزيز ثم يذكر الأمير محمد بن ماضي يقول فيها:
شيخ ملك شرق وغرب ولا صار
بالسيف مع فكر وراي يديره
يحلم عن الجاني وللجرم غفار
ومن عانده فله السيوف الشجيره
في ذا الزمن لا كان مثله ولا صار
نصاح للإسلام راعي بريره
ثم يقول رحمه الله عن الأمير محمد بن ماضي:
لا جيت بن ماضي ايلاقيك ببدار
إلى أعزمك قل له أمعنا لديره
استسمحه فإنه سموح وعذار
وفي قبض سمته ما توانى مسيره
وقصيدة أخرى للشيخ محمد بن عيسى آل خليفه يقول فيها:
ألف ابن ماضي مكرم الضيف والجار
حر تميمي اعلومه شهيره
جابه لنا سلطان نجد ونصار
دين الحنيف وسور كل الجزيرة
ويقول الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفه:
عبدالعزيز اللي لدين الهدى ثار
حامي حمى التوحيد والله نصيره
ليت العرب يحذون حذوه بالأفكار
كان الجزيرة كلها مستنيره
وتلقى ابن ماضي نازل قرب الأبحار
عز الله إنه في المطاليج خيره
و يقول الشاعر ماجد بن عضيب رحمه الله من قصيده له:
سلام يا أمير لفى عقب الأرماس
وأنا أحمد الله يوم جت به اركابه
حر شهر واقبل بعز ونوماس
عز الرفيق وكافي العدد ما به
ويقول الشاعر عبدالعزيز بن سيف رحمه الله سنة 1358هـ من قصيدة له عندما نقل الأمير محمد بن ماضي من إمارة مقاطعة جازان:
جازان عقبه رجت والقور ينعنه
وابو عريش تتلقل وانقلب رافي
حتى المضايا تصيح وتزعج الونه
وصبيا روض الحقو جاء يردف اردافي
تبكي قنا والبحر وتجر بالونه
عقب ابن ماضي بوافي الغبن مشتاقي
يقول عنه الشيخ عبدالله بن خميس في كتاب تاريخ اليمامه: كان رحمه الله أديباً حافظاً عارفاً متحدثاً وكان يملأ الندى بأحاديثه الشيقه ورواياته ومعرفته خصوصاً بمعرفة رجالات أهل نجد وأسرهم وأنسابهم وأحوالهم وكان رحمه الله من الأفذاذ الذين يضن بهم الزمن لا سيما في المجالات التي تحدثنا عنها.
يقول الشاعر عثمان بن حمد الناصر من قصيدة طويلة مادحاً الأمير محمد بن ماضي:
ابن ماضي عريب الجد مع خاله
من عنابر تميم وعمرو جد له
نسل مزروع له سمعه ويعنا له
القوي والضعيف اسداه فضل له
ويقول الشاعر العجمي:
ينحر الروضه ويشهر بالخبر
يبرك عند ابن ماضي تحت الجدار
و الله انك يا تميمي ما تبور
مار أنا اللي حظي خان بي وبار
وهذه بعض من الرسائل الملكية موجهة للأمير محمد بن ماضي رحمه الله من الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل ومن الملك سعود بن عبدالعزيز ومن الملك فيصل بن عبدالعزيز ومن الأمير محمد بن عبدالعزيز ومن الملك خالد بن عبدالعزيز ومن الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي رحمهم الله تعالى وكذلك خطاب موجه من حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفه يوضح مدى العلاقة القوية ودور وأهمية الأمير محمد بن ماضي عندما كان أميراً لمقاطعة الظهران. وكذلك ما ورد في كتاب تاريخ ابن عيسى (عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث والمحن) وفيها يوضح الشيخ إبراهيم بن عيسى أنه في سنة 1344هـ أمر الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل ابنه محمد أن يسير إلى المدينة النورة وأمره أن يحاصر نفس المدينة وأن لا ينال أهلها بمكروه فسار بالجنود نهار ثلاث وعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1344هـ وصحبه جماعة من الأعيان ومنهم محمد بن عبدالعزيز بن ماضي أمير أهل بلدة روضة سدير.
(رحم الله الجد محمد بن ماضي وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة)