إنه عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- ويغفر له، ويجزيه عن الإسلام وعن مواطنيه في المملكة العربية السعودية كل خير وإحسان، إنه الملك الإنسان الذي له في قلب كل مواطن حب ومودة، تلك سنة الله في خلقه، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، رحل عن هذه الدنيا الفانية بجسده، وبقيت مآثره ومحاسنه، تشهد على حسن سيرته، وعلى أدائه الأمانة التي كلف بها، ملكاً وقائداً ومطوراً ومصلحاً.
له مكانة عالية في نفوس مواطنيه، حظي بها بسبب صدق نواياه، ووضوح مشاعره، ونبل مواقفه، وتأكيده الدائم على رعاية مصالح المواطنين والوطن، والمحافظة عليها، والدفع بها إلى أعلى مكان ممكن، يتجلى هذا في خطابه ومخاطبته لمن يوليه أمراً من أمور الدوله، كما تتجلى في تلك المشروعات العملاقة التي تبدو شامخة في كل أرجاء الوطن.
كما تتجلى قبل هذا وذاك في التأكيد على الهوية السلفية للمملكة، تلك الهوية الوسطية المعتدلة المؤمنة بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً، هوية سلفية صافية أصيلة في مرجعيتها، كتاب الله، وسنة رسوله، وما أجمع عليه السلف الأطهار من الصحابة والتابعين، هوية لا تكلف فيها ولا بدع، لا خزعبلات ولا دروشة، بل أصالة في المنهج والممارسة، في الفكر والمعتقد، هوية بقيت محافظة على أصولها، عبر التأريخ الطويل للملكة العربية السعودية، وهذا من أهم مقومات شموخ المملكة وثباتها واستقرارها، وتغلبها على كافة المعوقات والصعوبات التي أفضت في كثير من الدول إلى فقدان الأمن الاجتماعي.
وجه باعتماد الحوار الوطني منهجاً بين أطياف أبناء المجتمع السعودي، الذين تجمع بين أطيافه ومناطقه الكثير والكثير من المشتركات العميقة، اعتمد الحوار الوطني بهدف تأليف القلوب، والالتفاف حول المشتركات وتعزيزها، والتعايش والتفهم والتفاهم.
ثم دعا -يرحمه الله- إلى الحوار بين الأديان السماوية، الأديان التي تؤمن بالله ربّاً، والتي يعد الإسلام خاتمتها، فالإسلام دين للناس كافة، دين رحمة وتسامح، دين أعلى من قيمة الإنسان، وحفظ حقوقه وحافظ عليها، وعصم دمه وماله وعقله من التعدي والبغي، دين لا تفرقة فيه ولا تمييز، الكل فيه سواء أمام الله، الفرق بين هذا وذاك في تقوى الله، ودرجة الالتزام بأوامر الله والبعد عن نواهية، دين يمتلك مقومات استيعاب البشر كلهم على اختلاف أجناسهم وثقافاتهم وأعراقهم وألوانهم، متجاوزاً كل الحدود الزمانية والمكانية.
وبعد أن تبين له -يرحمه الله- نجاعة منهج الحوار، رأى أهمية الحوار بين المذاهب، من أجل التقريب بينها، والعمل في محيط المشتركات وهي الأكثر، والبعد عن أوجه الاختلاف التي عززت الفرقة التناحر والتدابر والتباغض بين الشعوب.
ومن لفتاته الكريمة، اعتماد برنامج البعثات والتوسع فيه، وفي كافة المجالات والتخصصات، وفق ضوابط وشروط تأخذ في الحسبان مصلحة المبتعث وذلك بأن يأخذ العلم من مؤسسات تعليمية مرموقة في شرق الدنيا وغربها، ومصلحة الوطن الذي يؤمن بأن تنميته وتسيير عجلة التنمية فيها يجب أن تكون بسواعد أبنائه.
وبعد أن عجزت الجامعات عن استيعاب الأعداد الغفيرة من الطلاب والطالبات من خريجي الثانوية العامة، وجه -يرحمه الله- بافتتاح المزيد من الجامعات في المحافظات والمدن الكبيرة، وكانت خطوة مباركة موفقة استوعبت الشباب السعودي بعد أن كان يستجدي القبول في جامعات الدول المجاورة.
وإدراكاً منه -يرحمه الله- لوجوب المحافظة على المال العام وإبراء الذمة منه، أنشأ هيئة مكافحة الفساد، وقامت الهيئة بالكثير من الجهود الموفقة، لكن مازالت الآمال تتطلع إلى المزيد. اللهم ارحم عبدك عبدالله بن عبدالعزيز، وأسكنه الجنة مع الأبرار.