مربٍ فاضل، وداعية زاهد، وإداري محنك صريح، مفكر جمع بين الأصالة والمعاصرة، عمل في وزارة التربية والتعليم إدارياً مطوراً، وتربوياً مجدداً، وفي مجال الدعوة والإرشاد حكيماً هادئاً وسطياً، لم يكن تقليدياً مسيراً متبعاً، بل كان ذو رؤية سبقت عصره، وبز رفاقه في وزارة التربية والتعليم، انتقل من وزارة التربية وبقيت رؤاه التربوية شاهداً على أصالة فكره وتجديده، ولكون الذين جاؤوا من بعده لم يستوعبوا فكره وأهمية رؤيته، ولم يدركوا الأبعاد التربوية والتعليمية التي تعد نقلة نوعية في مسيرة التعليم وسلمه، ظلت الفكرة محبوسة داخل أسوار المدرسة التي بدأت بتطبيق فكرته الرائدة الأصيلة وتجريبها، لذا لم تحظ هذه التجربة بمتابعة ومساندة، ولم يكلف المعنيون أنفسهم بتقويم مخرجاتها.
تمثلت رؤيته التطويرية الأصيلة في تقسيم المراحل الدراسية التقليدية (الابتدائية والمتوسطة والثانوية) إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الحلم، ويقصد بها المرحلة الابتدائية، ومرحلة ما بعد الحلم، ويقصد بها المرحلتين المتوسطة والثانوية.
وفي كلتا المرحلتين -ما قبل الحلم وما بعده- فك الارتباط بين المواد الدراسية، فكل مادة دراسية كيان مستقل عن الأخرى، فالطالب الذي يتمكن من استيعاب المقرر الدراسي يتجاوزه إلى ما بعده حتى وإن كان في صف أعلى من صفه، أو مرحلة دراسية أعلى من مرحلته، كما فك الارتباط بين الطلاب، فالطالب الذي يتمكن من استيعاب المقرر الدراسي بغض النظر عن الفترة الزمنية التي أمضاها طالت أم قصرت، يتفاهم الطالب مع معلمه في الوقت الذي يجري له فيه الاختبار دون غيره من زملاء الفصل.
فوفق هذا المنظور التربوي الأصيل الذي يقدر القدرات العقلية للطلاب ويثمنها، لا حدود زمنية للتمكن من المقررات الدراسية، ولا ربط بين الطلاب وبعضهم في إجراء الاختبارات، منظور يقوم على تفريد التعليم، فكل طالب وقدرته على الاستيعاب والفهم، mastry learning، فالطالب الذي يتمتع بقدرات عقلية متفوقة على أقرانه ينتقل من مقرر لآخر، ومن مرحلة لأخرى، دون قيود زمنية، حيث باستطاعة الطالب أن يختصر السنوات الدراسية المحددة بحدود زمنية في النظام التعليمي الحالي، مع ربط متعسف للطلاب كلهم دون عناية بالطالب الأقل في قدراته واستيعابه، أو تسريع وإثراء للطالب المتمكن المتميز بقدراته العقلية.
اعتمدت مدرسة الفهد بالرياض (ابتدائية ومتوسطة) لتطبيق تجربة مرحلة ما قبل الحلم، وحظيت هذه التجربة في بداياتها برعاية من مبدعها وراعيها (سعد الحصين) -يرحمه الله-، كان يتواصل مع مدير المدرسة ومنسوبيها، يتعاهدهم بالزيارات، ناصحاً ومرشداً ومذللاً للعقبات، وملبياً للحاجات، وخطت التجربة خلال تلك الفترة خطوات إيجابية، ولاقت استحساناً من الطلاب الذين التحقوا فيها وأولياء أمورهم، حيث شعر كل طالب بكيانه ودوره الرئيس في مواقف التعلم، تعلم متمركز حول الطالب، (80% للطالب و20% للمعلم) وأنه محط عناية المعلم ورعايته، موجهاً ومرشداً وداعماً، ومن مميزات هذه التجربة أن الطالب صاحب قرار مقدر، فالطالب حين يتمكن من المادة الدراسية يقرر متى يختبر، حتى وإن كان لوحده.
واعتمدت مدرسة اليرموك الثانوية الشاملة لتطبيق تجربة ما بعد الحلم، وكانت امتداداً لمرحلة ما قبل الحلم، حيث فتح المجال للطالب أن يختار التخصص الذي يتوافق مع قدراته وميوله، من بين جملة من التخصصات، وحققت التجربة نجاحاً باهراً، ولكن كالعادة لم تحظ بما تستحقانه من دعم وراعية ومتابعة، أجهضت التجربة دون تقييم، وحل بديلاً عنها ما سمي بالتعليم المطور، وبقيت مدرسة الفهد تراوح مكانها أكثر من عشرين عاماً، معتمدة على حماسة مديرها، ثم حظيت برعاية في عهد محمد الرشيد -يرحمه الله-، ومن بعده أهملت وعادت إلى سباتها حتى يومنا هذا.
الآمال معقودة على سمو وزير التربية، وذلك بأن يرعى هذا النظام التعليمي، وأن ينفض الغبار عنه باعتباره تجربة تربوية رائدة تعتمد تفريد التعليم والتركيز على الطالب أياً كانت قدراته، رحم الله سعد الحصين التربوي الرائد وأسكنه فسيح جناته.