كانت السمات الغالبة على شخصية المواطن في شبه الجزيرة العربية عموماً، أنها سمات منطبعة بطابع وطبيعة الحياة الجغرافية والمناخية فيها، متوافقة معها منسجمة، وهي في العموم حياة صعبة تتسم بالجلافة والجفاف والجفاء، بالغلظة والشدة، وهذا أمر بدهي، فللطبيعة الجغرافية والمناخية أثرها على التكوين النفسي والبدني للإنسان، ومع هذا ورغم قسوة الحياة في شبه الجزيرة العربية احتفظ الإنسان فيها بسمات وخصائص أصيلة ذات طابع متوافق مع ما هو متواتر عند بني البشر جميعهم، وزاد عليها ما يتسم به الإنسان العربي من شمائل وصفات خاصة مثل إكرام الضيف والإحسان للجار، فهو ذو نخوة ومروءة، رجولة واثرة، شهامة وشجاعة، يأبى الظلم والضيم والغدر، والبغي والعدوان، والاعتداء والتعدي، والقتل والتدمير، وكل ما هو خارج عن الفطرة البشرية السوية.
وجاء الإسلام فعزز السمات الحميدة، وهذب السمات الخشنة، فسمت شخصية الإنسان في الجزيرة العربية مكانة، وعلت منزلة، فغدت تلك الشخصية متوازنة متسامية متسامحة، مرنة متكيفة، عارفة بحقوقها وواجباتها، تعرف للآخر حقه وتحفظه، خاصة دمه وماله وعرضه، هذه مصونة محترمة، يعرفها كل مسلم ملتزم بمصادر إسلامه (القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة) ونشأ على الفطرة السليمة من الأفكار المنحرفة الملوثة
حصلت غفلة وربما غيبة عن مصادر التكوين الشرعية المعتبرة، وعن المحافظة على الهوية، وعن مصادر التلقي الصحيحة، فالتعليم والتنشئة الاجتماعية يعدان مصدر أمان وتواصل وثبات على الموروث الثقافي الذي تم اعتماده والتوافق عليه.
لقد ترتب على الغفلة انتكاسة، نتج عنها عودة إلى بعض الممارسات الجاهلية المحرمة من التعدي على النفس، وقطع الطرق، والسلب والنهب، هذه الانتكاسة والنكوص لم تدم طويلا ـ ولله الحمد ـ، حيث عاد الإنسان العربي إلى سابق طبعه الأصيل، وعادت الجزيرة العربية إلى سابق عهدها وطبائعها وسماتها الخيرة التي استقتها من الإسلام فأضحت من المكونات الرئيسة للشخصية العربية وسماتها المميزة لها، وأضحت الممارسات السلوكية سوية أصيلة، راسخة صحيحة، لا يمكن أن يزيغ عنها أو أن ينتكس إلى غيرها من الممارسات المرفوضة، إلا المريض النفسي، أو من تعرض إلى تشويه معرفي أخرجه من أطر السواء، المتسم بها عامة الناس، إلى أطر الانحراف الفكري وبالتالي السلوكي.
ولهذا تعجب كل العجب من بعض الشباب الذين انقادوا مثل الفراشات إلى النار، والخراف إلى المذبح وراء أفكار شاذة منحرفة خارجة عن مصادر التكوين الشرعية المعتبرة، فصاروا مطايا رخيصة سهلة يتحكم فيها ويقودها شياطين الإنس، أدعياء التدين، دعاة جهنم، فسخروا هؤلاء الشباب لأفعال مشينة لا يصدقها عقل، ولا يتفق معها منطق، أفعال لم تعهد من قبل باعتبارها إحدى صور الممارسات السلوكية للإنسان عامة، والمسلم بصفة خاصة، لكنها العقول عندما تزيغ، والأفكار عندما تتلوث، والعاطفة عندما تتقد، والمعرفة عندما تنفصل عن مصادر تكوينها المعتبرة، يحصل ما لا يمكن تصوره وتوقعه، من شاذ الأقوال، ومنحرف الأفعال، التي لا يمكن فهمها أو تسويغها إلا في إطارها المرضي المنحرف.
يدرك المتابع مدى التحولات الفكرية والنفسية التي حصلت عند البعض في هذه البلاد الكريمة، تحولات شطت ببعض الأبناء عن الصراط المألوف المستقيم الذي انتظم فيه السواد الأعظم، المتسم بالأصالة والوسطية والاعتدال والاتزان، والذي لم يعهد عنه ظلم ولا تعد ولا تجن على أحد، إلى طريق مظلم ظالم، همجي عدواني، متجرد من كل معاني الإنسانية، عجيبة حال هؤلاء حيث لا مسوغ لانحرافهم؟ إنه انحراف لا يخفى خطله وزيغه؟ ولا تخفى توجهاته السوداوية التي يقودها دعاة إلى إزهاق الأرواح البريئة، إنهم دعاة على أبواب جهنم.
فالحذر الحذر أيها الآباء من هؤلاء الدعاة، وحذروا أبناءكم من الانقياد لدعواتهم الضالة المضلة.