توفي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وكان لوفاته وقع عظيم على نفوس أبناء المملكة وكان الخبر أشبه ما يكون بالصاعقة التي تنزل على المرء فلا يستوعبها في بادئ الأمر، بل تعلو وجهه الدهشة والخوف والحزن، ولا يصدق في بادئ الأمر، مع أن الموت مصير كل حي، وكل نفس ذائقة الموت لكن الملك عبدالله - رحمه الله- له مكانة عظيمة في نفوس أبناء وطنه، فقد أصبح جزءاً من حياتهم لم يتصوروا أنه سيفارقهم إلى الدار الآخرة، ولذا احتاج الناس!! وقتاً كي يستوعبوا الخبر وتبدأ الأحزان والدموع تجتاح نفوسنا وأعيننا.
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه من أمل
شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
نعم بداية كل أول ردة فعل في الأفكار، لا غير صحيح، استغفر الله لم ولن ينجو من الموت أحد، لكنها لحظات تنسي الإنسان حقائق الحياة، ثم يعود إلى الواقع المر الأليم - نعم توفي خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله- الملك عبدالله، وليس أمامنا إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، الحمد لله على قضائه، أحسن الله عزاءنا جميعاً، لله ما أعطى ولله ما أخذ.
لقد أحب الملك عبدالله شعبه حباً كبيراً، وقد بادله شعبه الوفي حباً ووفاءً كيف لا وقد كان حريصاً على مواطنيه ببذل كل ما في وسعه لإسعادهم والارتقاء بمستواهم على كافة الأصعدة، وبوصي كل ذي مسؤولية أن يقوم بواجبه تجاههم.
وقد بلغت المملكة في عهده - رحمه الله- شأناً عظيماً على كافة المستويات، منها على سبيل المثال لا الحصر عمارة المسجد الحرام وتوسعته توسعة فاقت التصور وارتقى بمستوى الخدمات الصحية في كافة مناطق المملكة، وتوسع التعليم، في جميع مراحله وأصبح التعليم العالي متوفراً للجميع؛ فبعد أن كان عدد جامعات المملكة يعد على أصابع اليد، أصبحت تزيد على الثلاثين جامعة، إضافة إلى الكليات المتخصصة في جميع مناطق المملكة، وتم ابتعاث عشرات الآلاف من الطلاب والطالبات إلى جميع أنحاء العالم المتطور وفي كافة التخصصات، وارتقى مستوى الرعاية الاجتماعية ووصل إلى جميع مدن وقرى المملكة.
وقد سعى - رحمه الله- إلى ترسيخ ثقافة الحوار والتقارب بين الأديان دون أن تمس عقيدة الإسلام، يشهد له العالم بسعة الأفق وبعد النظر.
كما كان للمرأة في عهده - رحمه الله- مكانة خاصة تمثّلت في حصولها على حقوقها كاملة غير منقوصة ودخلت مجلس الشورى وأصبح صوتها مسموعاً ورأيها محل الاحترام والتقدير.
ولا يستطيع أحد أن يغفل دوره البارز والواضح في محاربة الإرهاب والسعي الحثيث لاجتثاث جذوره وتجفيف منابعه وتحذير كافة الأمم من أخطاره وأنه لا يستثني أحداً ليس له دين ولا بلد الجميع سيتضرر منه إذا لم تتم مقاومته والقضاء عليه وأكد - رحمه الله- على أن الإسلام منه براء.
هذه ملامح سريعة من سيرته الطاهرة - رحمه الله- وهي أكثر من تحصى في مقال قصير.
وفي غمرة الأحزان بوفاته واشتداد الكرب على المواطنين يشاء الله سبحانه أن يجعل لهم فرجاً ومن همهم مخرجاً، إذا انتقلت السلطة بكل يسر وسلاسة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي بويع ملكاً على البلاد وتم تعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وسمو الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد بالإضافة إلى عمله وزيراً للداخلية، فاستقرت الأمور وهدأت الأنفس، وتم كل ذلك خلال وقت قصير قطع الطريق على كل من يحاول أن يصطاد في الماء العكر ويروّج لخلافات وهمية لانتقال السلطة، وأسقط في أيديهم، ولم يكن أمامهم سوى أن تخرس ألسنتهم، ويعرف العالم أجمع أن المملكة العربية السعودية، كيان صلب منذ أن أرساه مؤسس المملكة - الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه- وحافظ عليه الملوك من أبنائه الملك سعود، وفيصل وخالد وفهد وعبدالله يرحمهم الله جميعاً، وسار على نهجهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- فالهدف الأساس هو أمن واستقرار المملكة ولا مكان لطموحات شخصية تقدم على ذلك فاستقرار المملكة والمحافظة على كيانها! أولوية ضرورية.
الملك سلمان بن عبدالعزيز غني عن التعريف الكل يشهد له بالكفاءة وحسن الإدارة والخبرات التي اكتسبها من والده ومن إخوانه، تولى الكثير من المناصب القيادية فأجاد وأحسن الأداء، وله محبة في قلوب الناس وعلى دراية واسعة بالشؤون المحلية والعالمية، وهو شخصية معروفة عالمياً وله علاقات واسعة بمسؤولي العالم، وليس أدل على ذلك من كثرة الوفود التي قدمت للمملكة معزية بخادم الحرمين الشريفين - الملك عبدالله -رحمه الله- ومهنئة خادم الحرمين الملك سلمان على ثقة شعبه وتوليه المسؤولية.
تولى الملك سلمان بن عبدالعزيز إمارة منطقة الرياض سنوات طويلة وارتقى بالمنطقة إلى مصاف أكثر المناطق تطوراً، وأصبحت الرياض في عهده مضرب المثل في تطورها واتساعها ونهضتها، وذلك من خلال ترؤسه للهيئة العليا لتطوير الرياض، كما يرأس الكثير من المؤسسات واللجان الأساسية في مجالات متعددة، ثم عيّن وزيراً للدفاع بعد وفاة أخيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله- فأظهر كفاءة عالية في الدفاع وتطوير مستواه.
رحم الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته وألهمنا جميعاً الصبر والسلوان- وهنيئاً لنا بخادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وجعله الله خير خلف لخير سلف، وأعان الله صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، ولي ولي العهد وزير الداخلية.
ونسأل الله العلي القدير أن يحفظ لبلادنا أمنها واستقرارها في كل قيادتنا الحكيمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.