تجمع «الملمات» معاني الخسارة والألم، وقع الصدمات التي تشيب لها سود الجبال، تلخص أحوال الأمم والشعوب، إذا واجهت الشدائد والصعاب، ولم تجد لها غير الباري عز وجل، معينا على تجاوز المحن.
وفي رحيل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه، تحضر سجلات حافلة من عطاء سخي، لندرك أننا خسرنا أمة في رجل.
فقد جمع المغفور له بإذن الله، خصال فرسان لا يحد بصرهم وبصيرتهم حد، ولا تقف خيلهم عند حدود، يذودون عن قيم الحق والعدالة، ليتمثل فيه قول العزيز القدير في محكم كتابه {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} ويترك من سيرته لأجيال الأمة، ما يكفي من شواهد الخير.
عرفه المسلمون والعرب، صاحب رؤية ثاقبة، يقرأ واقع الأمة، يستشرف مستقبلها، يستفيد من تراكمات ماضيها، ويراعي كل هذه الجوانب في قراراته، يبتغي مرضاة الخالق، وصالح المخلوق.
شهدت له الرعية في حياته، وتشهد له وهو يغادرها إلى دار الحق، إنه كان رجل «بناء» و»عصرنة» لم تفارقه لحظة واحدة، الرغبة في التحديث، دون تفريط بالأصالة.
لا تغيب عنا في لحظات وداعه، مساعيه لكل ما فيه خير، دول الخليج العربية وشعوبها، حرصه على أمنها وأمانها، تحصينها من المخاطر المحيطة، التي تعصف بالدول الشقيقة، وإصراره على تمتين أطر مجلس التعاون الخليجي، ليبقى المثال والنموذج، للتعاون العربي والإسلامي.
كانت قضية العرب الأولى فلسطين هما يحمله أينما حل، واستقرار الأشقاء في لبنان أمام نصب عينيه، وحل الأزمات في سوريا واليمن، شغله الشاغل في أصعب الظروف.
كما هو عهد ملوك مملكة الخير، امتدت أياديه البيضاء، إلى كافة أنحاء المعمورة، لإغاثة المنكوبين، ومداواة الجرحى، لتتجلى صورة العرب والمسلمين، بإشراقاتها.
بقي المغفور له حتى آخرلحظاته، شعلة تنير الطريق، لمواجهة آفات الغلو والتطرف، وما ينجم عنهما، من إرهاب مسيء لتسامح الإسلام والمسلمين، ويرد بحكمة الحكماء، ومن وحي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسير الصالحين، على الادعاءات الباطلة الهادفة للنيل من العقيدة الإسلامية.
مصابنا كبير بفقده، وعزاؤنا بخلفه المجرب، جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، المستلهم لتجربة الفقيد، السائر على خطاه، متمنين من العلي القدير أن يوفقه وولي عهده وولي ولي العهد وأسرة آل سعود الكرام لكل ما فيه خير العرب والمسلمين.
- فيصل الحمود المالك الصباح