ونحن خارجون من صلاة العشاء، لفت انتباهي عامل بناء آسيوي (رثّ الملابس)، وهو يُخرج (كيساً ملفوفاً) من جيبه، ليُعطي (سائلاً عربياً) يجلس عند باب المسجد (صَدقة) !.
المشهد جعلني أقف قليلاً مع نفسي، لأفكر كيف أن هذا العامل المُغترب، شعر بدوره الإسلامي والإنساني، رغم أن الـ (الخمسة ريالات) التي قدمها، ربما وفرت له (عشاء ليلة) شتوية، بينما الكثير من المُصلين من أصحاب السيارات الفارهة، خرجوا دون أن يُعِيروا السائل أي اهتمام؟!.
لا تقل لي أن (كثرة الشحاتين) في المساجد، والوعي الذي وصل له المجتمع، هو الذي منع المُصلين من الاقتناع من (حاجة السائل)، فالأخ (العامل) مثلنا تماماً، يُصلي في ذات المساجد التي نُصلي فيها، ويُشاهد مثل هذا السائل في معظم الصلوات، كما نُشاهد؟!.
هل نحن في حاجة للتذكير بعظم (أجر الإنفاق) لمن هو حقاً في حاجة؟ أم أن كثرة التحذير من الوقوع في شراك (النصابين والدجالين)، جعلت صور التعاضد والتكاتف مع (المُحتاجين الحقيقيين) تتلاشى بيننا؟!.
مجتمعنا مليء بالخير، وصور التعاضد والتكاتف بين أفراده - ولا يمكن المُزايدة علي السعوديين - في مضمار الخير، ولعل استمرار الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سوريا خيرُ مثال، وإن كنا في حاجة لإعادة الثقة لمساعدة كل من يثبت لدينا فعلاً حاجته، وسلامة مقصده، مع الحذر من النصابين!.
في مقال نشره الشيخ (علي الطنطاوي) رحمه الله عام 1965 م، ذكر فيه أن الفقر والغنى (نسبي) بين البشر، فالفقير سيجد من هو أفقر منه (ليُعطيه)، والغني لا بد أن هناك من هو أغنى منه (فيسأله)، وهذا هو بيت القصيد، خصوصاً عندما يؤمن (المُنفق) أنه سيجني أثر ما أنفق في الدنيا قبل الآخرة، وفي هذا قصص وتجارب عديدة!.
لا يمكن أن ينتهي (حبر الشاشة) دون التذكير بأهمية أن يُفتش كل منا، عن قريب أو جار هو في أمس الحاجة للمُساعدة والعون، ما منعه إلا الحياء والتعفف، هذه هي الصور الإنسانية الرائعة التي عُرف بها مجتمعنا!.
وعلى رأي أحد الأصدقاء المصريين (أنا مُش عارف السعودي إلي قدامي معاه فلوس؟ أو ما معوش؟ كُلكُ بتلبسوا شبه بعض يا رجال) !.
وعلى دروب الخير نلتقي.