استطاعت الحركة الحوثية في اليمن من تحقيق تمدد واسع - خلال التطورات الأخيرة -، حيث أصبح انتشارها يثير القلق، بعد أن انتقلت من استخدام قوتها العسكرية كوسيلة للدفاع إلى أداة للتوسع، والانتشار خارج معاقلها الأصلية في محافظة صعدة، التي كانت منطلقًا لنشاطاتهم السياسية والدينية؛ لتصل إلى خمس محافظات شمال اليمن. وتلك -في تقديري- مكاسب عظيمة، كانت وليدة مسار مدروس من المراوحة بين العمل العسكري، والعمل السياسي، وكذلك تقاربهم مع إيران -أيديولوجيًا وتنظيميًا وسياسيًا وإعلاميًا-.
الصراع الحاصل أضعف الدولة اليمنية، وأحدث فراغًا ستملؤه الجماعات الجهادية؛ من أجل مقاومة الحوثيين، وستدفع بالأوضاع إلى مزيد من الحرب المذهبية، والولوغ في مستنقع الفوضى المسلحة؛ بسبب امتداد حالة الصراع الطائفي، التي تغذيه إيران. وهو مشروع قابل للتحقق على أرض الواقع، خصوصًا أن الحركة تنطلق من رؤيتها الدينية؛ لتحقيق الاندماج السياسي -بزعمهم-، مع الاحتفاظ بمشروعها العسكري، الذي سيفضي -في نهاية المطاف- إلى تقسيم اليمن على أسس طائفية.
جاءت الورقة الحوثية في سياق الانفجار الإقليمي لأزمات الأقليات في المنطقة، وبالتالي ستدفع الظروف مجتمعة الأطماع الخارجية إلى حالة مخاض عسيرة، أخشى أن تتولد عنها دول مقسمة بحسب انتماءاتها الطائفية، أو العرقية، ولاسيما أن إيران تتبنى مبدأ تصدير الثورة الإثني عشرية إلى دول العالم الإسلامي، إضافة إلى تواصلها مع الأقليات الشيعية في منطقة الخليج، والجزيرة العربية، بما يخدم البعد الإستراتيجي لها في المنطقة.
في المقابل، فقد كان لأصابع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح بصمة ظاهرة، بقوة التأثير على مسار الأحداث، بعد أن اتجه إلى الشمال؛ لتقديم الدعم اللوجستي، والبشري للحوثيين، وإلى الجنوب؛ لمساندة الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض؛ من أجل أن تحاول إيران تثبيت قدمها في عدن، وباب المندب، الذي يفوق مضيق هرمز أهمية في تغذية العالم بالنفط.
وذكر التقرير الصادر عن مركز «أبعاد للدراسات والأبحاث» في صنعاء في 8 يوليو، أن إيران تستغل الحوثيين في الشمال؛ للقيام بالمهام اللوجستية؛ للسيطرة على الجنوب. وتحدث التقرير عن: «اتهامات موجهة للحوثيين، ومن ورائهم إيران، بالسعي لتفجير الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وإشعال حرب جديدة في صعدة؛ لإرهاب دول خليجية، وأمريكا».
وأشار التقرير البحثي، إلى أن «هذه الاتهامات تستند إلى وقائع، كوجود مسلحين حوثيين من صعدة في أوساط فصيل سالم البيض، إضافة إلى الزيارات المتبادلة بين قيادات في الحراك المسلح، وقيادات حوثية بين عدن، وصعدة».
في ضوء نتائج الوضع الراهن في اليمن، فقد توحي المؤشرات الأولية نحو تأثيرات عميقة، قد تصيب الخريطة السياسية الحالية في اليمن، وتهدد مستقبل اليمن، وتستهدف مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تورط إيران في دعم الحركة الحوثية، يصب في إطار تصفية الحسابات الإقليمية الأوسع، وإدارة صراعات المنطقة بما يخدم أطماعها التوسعية، وتشتيت الجهد السني على امتداد الرقعة الخارجية.