بعد حادثة سويف في الحدود الشمالية لوطننا الغالي أسفت لحال هؤلاء الشباب وخاصة من غرر به منهم حتى توهموا أن الجهاد في سبيل الله لا يتم إلا بالهجوم على وطنهم وقتل الأرواح البريئة ثم قتل أنفسهم، لينضموا لمئات من شباب نفق بعد أن صور لهم الإرهاب بالاعتداء على أبناء جلدتهم بأنه هو الجهاد المقصود في دين الإسلام. دلس عليهم وزورت المفاهيم لاستخدام شعيرة الجهاد المقدسة لتحقيق أغراض سياسية دنيئة.
هناك تعمد وهناك تقصير في شرح مفهوم الجهاد الحقيقي للناس أدى إلى تهافت البسطاء ومن يعانون من الاحتقان والكراهية للحياة وللمخالفين لهم في الفكر للالتحاق بجماعات القتل والتدمير من قاعديين ودواعش وغيرهم. وأقولها بصريح العبارة فقد قدم غلاة الإرهابيين والسفاحين للعامة بأنهم المجاهدون الحقيقيون في سبيل الله من أمثال ابن لادن والظواهري والبغدادي. أصبح الشباب المغرر بهم ينظر إليهم بأنهم النماذج الحية للمجاهدين الأبطال بينما هم قتلة لايرقبون في مسلم إلا ولا ذمة.
التدليس بخلط مفهوم الجهاد بالإرهاب بعضه ظاهر مباشر ومفهوم وأكثره مبطن مخفي بين السطور لا يفك شفراته إلا من لديه القدرة على القراءة مابين والتحليل والتفسير. كي تستبين لك الأمور أسأل أحدهم عن الأعداء الحقيقيين من وجهة نظرة، وهل ما يحدث من داعش والقاعدة والنصرة يمثل جهادا حقيقيا ؟ وما وجهة نظرة في ما يحدث لحدود البلاد من إرهاب واعتداءات ؟ ستفاجئك الإجابات أقلها من يسوغ ما تقوم به تلك الجماعات بالاجتهاد، أو أننا في زمن فتن اختلطت فيه الأمور فلا تدري من هو على حق ومن هو على باطل ! عندما نسمع من يدعون للمجاهدين في سوريا والعراق وأفغانستان من على المنابر وفي الحلقات الدعوية يظن الشخص البسيط أن جميع من يقاتلون في تلك الجهات بما فيهم داعش والقاعدة والنصرة وغيرها مجاهدين والسبب أن الشيخ عمم ولم يخص المجاهدين الحقيقيين، ولم يوضح في خطبته أو محاضرته أن هناك جماعات إرهابية مندسة ويجب الحذر منها.
لم يوضح للناس مفهوم الجهاد وأنه أوسع وأشمل من مفهوم القتال، و أنه يعني في الإسلام بذل الجهد وأستفراغ الوسع والطاقة في أي ميدان من ميادين الجهاد في الحياة. لم يوضح لهم هذا المفهوم قيل لنا منذ زمن أن الجهاد هو حمل السلاح لقتال الكفار! لم يشرح لعامة الناس المفهوم الشامل للجهاد ومنه مجاهدة النفس، والمجاهدة في بر الوالدين والإحسان لهما وفي تربية الأبناء، والمجاهدة في الدعوة، وفي إصلاح المجتمع و توعيته وتنميته، وفي عمارة الأرض.
ترك كثير من الناس على جهلهم فلم توضح لهم شروط الخروج للقتال ومنها إعلان الحاكم للنفير في حالة هجوم المعتدي والعقل والبلوغ والسلامة من العجز، ولم تبين لهم مواطن الانحراف عن الجهاد مثل قتل المؤمن لقوله تعالى {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ}، وقتل المعاهد لقول الرسول عليه الصلاة والسلام « من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة «.
اختطف الجهاد ليسوغ لعصابات الإرهاب التغرير بالشباب وتجنيدهم ضد أوطانهم، ولإعادة الأمور إلى نصابها ينتظر عملا كبيرا من علماء الدين وخطباء المساجد والدعاة لتوضيح ما التبس على الناس وكشف مخططات العصابات الإرهابية ومن يساندها ويؤيدها.