تناغم مكونات المجتمع تجعل من المملكة دولة مطمئنة تنعم بالاستقرار كأفضل أنموذج معاصر في المنظومة الدولية، ويُشكل التلاحم الاجتماعي حجر الزاوية في بناء هوية سعودية أكثر قوة وتماسكا كونه مفتاح النجاح طويل الأجل، والمرتكز الحيوي لنمو وسلامة الوطن حاضراً ومستقبلاً، ومركز الأمان على الأجل الطويل.
التخطيط السلوكي الذي يعتمد على المسارات الاستراتيجية التي تستجيب للتحولات المجدولة والمفاجئة بمنهجية مرنة تتعامل مع المتغيرات كافة بمهارة تتبع وتحاكي سلوك الأنشطة المختلفة وتُحفزها.
يعد التلاحم الاجتماعي المظلة التي يستظل بها المجتمع، والميثاق الرابط الذي يجمع شمل الأمة من خلال الروابط التي تلتقط كل المعاني الإنسانية في بذل المعروف، والكشف عن السجايا الإيجابية لتفعيلها في تسليط الضوء على الزوايا الخفية، التي من الأرجح أن تساعد على الالتفاف حول المبادئ الوطنية، والتآخي والتراحم والتواد، وإشاعة الإيثار بين مختلف أطياف المجتمع الذي عليه الاتصاف بالتسامح وحسن النوايا والممارسات وضبط النفس المستند إلى قواعد وقيم الدين والأخلاق. والتأسيس لفضاء مشترك بين أطياف المجتمع كافة.
تشكل الأسرة نقطة البداية في التكوين النفسي والسلوكي للفرد وتعمل على بث السكينة والطمأنينة في نفس الطفل، وبناء الاتجاهات لمختلف التصورات في فضاء هذا الكون الواسع، وتسهم في تشكيل الحضارة الإنسانية، وإقامة العلاقات التعاونية بين الأفراد، وبناء القيم وترسيخ قواعد الآداب والأخلاق, وحفظ كثير من الحرف والصناعات التي تنتقل تلقائياً من الآباء إلى الأبناء، وحفظ التراث والموروث الثقافي.
التنشئة الأسرية التي تتسم بالاتزان تشيع الاستقرار والإيثار والود والتراحم والتأخي وتحذر من العنف والكراهية وتقي من الانحراف والتطرف الذي مرجعيته غالباً إلى عدم الاستقرار الأسري.
التمكين من المشاركة التفاعلية بين أفراد المجتمع يكتسبها الفرد من الأسرة بداية إذا تعهدت الطفل بالحنان والعطف والرأفة وحب التعاون والتعايش.
الإشراف والرعاية المباشرة للطفل من قبل الوالدين لا تقتصر على الصحة البدنية ولكن تمتد إلى النمو الذهني والحس العاطفي والانتماء وضبط الدوافع الإرادية وتناسقها.
وفي هذا الإطار فإن أفضل طريقة لحفظ الأبناء هي مصاحبتهم ومراقبتهم وعدم الانشغال عنهم. وبالتالي على الآباء والأمهات ترك مجالس اللهو والاهتمام بتربية أبنائهم والإشراف على شؤونهم للحد من انحراف الأحداث الذي تعاظم بسبب تواري الآباء عن الشوارع ليلاً وترك الصغار فريسة سهلة للمنحرفين والفاسدين، وتخلي الأمهات عن مسؤوليات التربية وإسنادها للخدم. يعتمد استقرار شخصية الطفل وإدراكاته السوية على ما يسود الأسرة من استقرار وعلاقات حسنة كمًّا ونوعاً تؤسس لقيم دينية وأخلاقية لا يمكن أن تنمو سوية إلا في محيط أسرة سوية.
مد جسور الثقة وإشاعة لغة الحوار بين أفراد العائلة من أهم عوامل تخطي تحديات الحياة، بالتمكين من النقاش الموضوعي وطرح الأفكار الإبداعية لحل المشكلات الأسرية، وتطبيق الأساليب الإنسانية في التوجيه والتأديب بما يحقق التعزيز المادي والمعنوي، لتقدم نموذجاً متميزاً لمفاهيم الترابط الأسري والتعاضد الاجتماعي بين مختلف شرائح وفئات المجتمع.
عكست القبيلة المفهوم الاجتماعي الذي أنتجته تحديات الحياة في مرحلة تاريخية ماضية، لتكون الكيان الذي ينتمي إليه الفرد، ضمن منظومة من القيم والتقاليد محل الاحترام والطاعة من أفرادها، وأصبحت أحد روافد تشكيل الشخصية في البيئة المحلية، وجانبا من جوانب إحياء ممارسات تعزيز قيم التلاحم بين مكونات المجتمع، وتعد منظومة لها بعض المحافل واللقاءات التي تجتمع فيها أفرادها للتعبير عن مآثرها وتطلعاتها.
وفي هذا السياق، تأتي احتفالات الإبل التي توحي بالتلاحم الخارجي الذي يبطن هدرا للموارد التي يمكن أن تُحسن أوضاع المحتاجين والضعفاء والفقراء من أبنائهم دون إبلهم. لتأخذ اللقاءات نموذج التكافل والتراحم لبلوغ التلاحم الاجتماعي الذي يحقق أهداف الدين والقيم والتقاليد.
التفاوت في الدخل وفي الإمكانات والفرص يُهدد التلاحم الاجتماعي على المدى البعيد. ويبدو أن الدور الرئيس للتلاحم الاجتماعي يتمثل في قدرة الاقتصاد على النمو لا سيما في أوقات الأزمات والهزات التي يزداد فيها التلاحم. فكلما ترتفع درجة التجانس في المجتمع - ديني، عرقي، تقارب في الدخل، غيرها - يرتفع مستوى التلاحم. يزداد التلاحم في المجتمعات المتنوعة اجتماعياً إذا كان هناك مؤسسات قوية تعمل على تنسيق المصالح بين مختلف الأطياف الاجتماعية. وفي هذا المجال يلعب العمل الخيري دوراً مؤثراً انطلاقاً من مبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على بذل الخير والمعروف للناس.
ينطلق تعزيز التلاحم بين فئات المجتمع بتوسيع المشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي، والتضمين السياسي والاجتماعي، وإعطاء مساحة أوسع لمنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات حقوق الإنسان، وتدعيم قنوات الترابط الأسري، والمساواة في الحقوق والوجبات والتمكين بتساوي الفرص في شغل المناصب، والعدالة في توزيع الخدمات، والاهتمام بالشباب من الجنسين بتفعيل دور الأندية الأدبية والرياضية وإنشاء محاضن لتنفيس الطاقات والكشف عن الإبداعات تعم المناطق والمحافظات والقرى والريف كافة، من أجل زيادة درجة المرونة لاستيعاب الهزات والأزمات المصاحبة للتحضر والعولمة.
إن تعزيز الحقوق والتضمين من أهم الأولويات للحفاظ على الوحدة الوطنية والولاء والانتماء والاستقرار، وحصانة حية ضد الانهيارات التي يقي منها التلاحم الاجتماعي. وتعكس الحروب الأهلية الانهيار الواضح في منظومة التلاحم الاجتماعي.
يعتمد النمو الاقتصادي اعتماداً كلياً على استثمار الموارد والقدرات البشرية، وبقدر استغلال هذه الموارد وتمكينها واستخراج طاقاتها لتحفيز برامج التنمية تتسع أو تقترب الفجوة في بناءات التلاحم الاجتماعي الذي يزداد بتمكينها ويتراجع بإهمالها. وفي هذا السياق ما زالت جهود المرأة الفكرية والاقتصادية والقيادية لم ترق إلى المستوى المأمول الذي يحفز هذه الطاقات للإسهام بدور أكثر فاعلية في التنمية المستدامة. ويبدو أن هذا الواقع بحاجة لمعالجة الاختلال المهني خاصة فيما يتعلق بنظام الأجور والحوافز والتمييز المهني، والعمل على تحديث السياسات والبرامج والآليات وتطويرها طبقاً لمتطلبات المرحلة، وسن مزيد من التشريعات والأنظمة التي تدعم هذا التوجه وتحل تشابكاته.
إن إعادة هيكلة التعليم في الجامعات والكليات والمعاهد محطة مهمة في توجيه البوصلة نحو تلبية حاجات النمط الاستهلاكي محلياً بجعل الأولوية لتعليم المهن والحرف المتعلقة الأغذية، والحلي والمجوهرات، والملابس التقليدية والعصرية، كمنطلق أولي تتبعه منطلقات أخرى عاجلة لتمكين الشباب من الجنسين من السوق المحلي الذي سيطر عليه الوافد الذي استحوذ على مفاصل الاقتصاد السهلة والأكثر عائداً مالياً يمكن أن يقدر بآلاف المليارات التي تخرج في شكل حوالات مالية وسلع، قد تعود إلينا داعمة لمنظمات الإرهاب والأفكار المنحرفة والتنظيمات المقرضة التي تسعى لزعزعة الاستقرار الوطني. معالجة التشوهات المتعلقة بحقوق الطفل التي كفلتها الشرائع السماوية، والمتفق عليها بالإجماع من المجتمع الدولي مسألة حتمية من خلال العمل على تصحيح هذا المسار بحماية الأطفال من السخرة الجائرة التي تحول دون تمتعهم بطفولتهم، وحقهم في التعليم والترفيه، وفي الوقت نفسه تبني اتجاهات إيجابية نحو العمل من خلال برامج تثقيف وتوجيه تعد بعناية لتنمية وبناء الممارسات الإيجابية لدى الأطفال ذكور وإناث بوسائل مبسطة مثل « المستثمر الصغير»، و»شباب وشابات مال وأعمال المستقبل»، و»الحرفي الناشئ»، و»براعم القيادة». وجعل مثل هذه البرامج ثقافة مرادفة للتحفيز على التعليم والتعلم في مشروعات وطنية عملاقة وشاملة يتحقق من خلالها الإفصاح عن الذات، والعلاقات الحميمة وديناميكية الجماعة، وثقافة التقدير والأمان العاطفي، والمعرفة والتعرف وتعزيز السمات السلوكية الإيجابية، وتعميم مبدأ القبول والاحترام والمعاملة بالمثل والإصرار على الاهتمام. وتوجيه التفاعلات المقترنة بتصرفات سلبية مبنية على النقد والتحقير والحيل النفسية واحتكار الكلام والشك السلبي إلى اتجاهات أكثر إيجابية تستند إلى التقدير وقبول المسؤولية والتهدئة الذاتية والشك الإيجابي. وجعل الاستثمار في الأبناء غاية وهدف وحقيقة ماثلة يستحضرها الجميع على شكل مشروعات استثمارية حقيقية لها بداية ولها نهاية، تنتج جيلاً سوياً يسهم في التنمية الوطنية إسهاماً فعالاً يعكس ثمرة التنشئة الأسرية السوية التي تبني الأجيال على السلوك القويم الذي يكفل خير الدنيا والآخرة.
يأخذ التلاحم الاجتماعي أشكالاً وأساليب متعددة فقد يكون في منظومة قوافل تقدم خدماتها إلى مختلف فئات المجتمع وتستفيد من فعالياتها الجهات العامة والخاصة من خلال تنظيم ملتقيات في التلاحم الاجتماعي وورش تدريبية في مجال العمل التطوعي وفعاليات صحية وتعليمية وبيئية وثقافية. وتفعيل العمل التطوعي بإيجاد فرق تلاحم للتطوع الاجتماعي في صور مبادرات وطنية مثل «عطاء» يشترك فيها الجميع للتطوع ضمن فرق للتلاحم الاجتماعي كل في مجال اختصاصه، بتنفيذ برامج مجتمعية، وإنسانية، وبيئية، وصحية، واقتصادية، وثقافية، وترفيهية ضمن قوافل التلاحم في منظومة تنسجم مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع الذين ترسخت لديهم أعمال البر وسبل الأجر وبذل المعروف.
تتجه فعاليات قوافل التلاحم الاجتماعي ميدانياً إلى كل أفراد الأسرة بداية بالأطفال والمرأة والكبار، وكبار السن ليتمكن كل فرد من الاستفادة من خدماتها الاجتماعية والتوعوية والصحية والفنية والترفيهية والمسابقات. مع التركيز على دور الرعاية ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير سبل الدمج الاجتماعي لهذه الفئات في المجتمع في إطار الاستراتيجيات المعدة، وتقديم كل أوجه الرعاية اللازمة لها ضمن مشروع وطني شامل يمكن أن يكون (عون)، باعتبارها شريكة في التنمية الوطنية. والاهتمام بكبار السن الذين لديهم التجربة الثرية في المهارات الاجتماعية والإدارية والفنية وإشراكهم بشكل مباشر ومكثف في هذه الأنشطة. والعمل على توعية المجتمع بمخاطر الأمراض الناتجة عن ضغوطات الحياة العصرية، ونشر الثقافة بمختلف الوسائل بالإرشادات والاحتياطات الواجب اتخاذها للوقاية من الأمراض التي أفرزها التحضر. وزيادة رصيد العمل التطوعي والمسؤولية الاجتماعية، وإيلاء مجالات البيئة والسلامة المهنية اهتماما أكبر في فعاليات قوافل التلاحم الاجتماعي.
إيجاد بيئة تكاملية تستمد مقوماتها من مبدأ الوطنية المشتركة تجسد محور الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتتخذ من العمل التطوعي ركيزة لاستقطاب الشباب وتأهيلهم للعمل المجتمعي محليا ودولياً. إذ يمثل التضامن بين الأجيال على جميع المستويات في الأسرة والمجتمع المحلي والدولي منطلقاً للتأسيس لمجتمع لجميع الأعمار. والتضامن أيضا شرط أساسي للتلاحم الاجتماعي وقاعدة لنظم الرعاية الرسمية وغير الرسمية. فتغير الظروف السكانية والاجتماعية والاقتصادية يقتضي تعديل نظم المعاشات والضمان الاجتماعي والصحة والرعاية للمحافظة على منجزات التنمية الوطنية، وتحقيق مفهوم التنمية المستدامة بما يكفل نصيب الأجيال القادمة في الموارد. إضافة إلى تأمين فرص العمل وتوفير الخدمات بكفاءة وفاعلية.
يعد الشروع في عمل وطني يؤسس لمرحلة جديدة تهدف إلى تقريب الفجوة بين الأجيال مسألة في غاية الأهمية. من أجل تعزيز التبادل المثمر بين الأجيال، لزيادة فرص المحافظة على الروابط بين الأجيال وتحسينها على مستوى الأسرة والمجتمع، وذلك من خلال تيسير اللقاءات بين جميع الفئات العمرية وتجنب التفريق بين الأجيال، وتوسيع دائرة المجالس والمحاضن في الأحياء، وتفعيل دور كبار السن في ذلك بوصفهم يشكلون مورداً فكرياً واجتماعياً لجذب الشباب ونقل التجربة والخبرة والمبادئ والقيم الوطنية إليهم لتحقيق مفهوم التراكمية بين الأجيال. وتشجيع التضامن والتكافل فيما بين الأجيال باعتبارهم متغيراً جوهرياً في مسيرة التنمية المستدامة. تحفيز الجيل الذي عليه العناية بالأبوين والأبناء وبالأحفاد في نفس الوقت من خلال برامج وطنية شاملة تعنى بهذا الجانب. والعمل على تعزيز مشاعر التآلف والأخوة بين الجيران من خلال التواصل الاجتماعي، الذي يرتبط بإحياء مجالس وديوانيات الأحياء. والعمل على إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية، التي يواجهها سكان الحي الواحد. وإيجاد آلية للترابط والتواصل بين الأحياء. ومراعاة التغيرات الاجتماعية الطارئة على المجتمع في مختلف أرجاء الوطن ومعالجتها من منطلق شمولي يتناسب والدور الريادي للملكة فيما توليه من رعاية للحرمين الشريفين وأهل الإسلام، إضافة إلى المسؤولية الاجتماعية التي تتميز بها ودورها الإنساني في العمل الخيري، أن يتم إنشاء جامعة سعودية تعنى بالعمل التطوعي والخيري والإنساني الذي تتميز به المملكة، تجمع تحت مظلتها الأنشطة والجهود والعلوم والمعارف المتعلقة بهذه الجوانب لتنطلق من أرض المملكة الجامعة الوطنية للتطوع والأعمال الخيرية والإنسانية.