لكل عمل ولكل فكرة وجهان، وجه جميل ومقبول ومفيد ووجه غير مقبول. صحيح أن الدول المتقدمة تطبق مبدأ تحديد ساعات عمل المتاجر، وهذا أمر مفيد من الناحية الأمنية والاقتصادية، والعاملون في هذه المتاجر من حقهم أداء أعمالهم لساعات معدودة ثم الذهاب إلى منازلهم لممارسة حياتهم الأسرية والتمتع بوقت كاف للعشاء والراحة والتسلية وقضاء حوائجهم وحوائج أسرهم، لكن ربما أن من فكروا في تطبيق ما هو مطبق في الغرب قد لا يصلح بالضرورة للتطبيق في مجتمعنا.
أولاً: نحن نعيش في مجتمع ليس فيه ولا نسمة ترفيه وتسلية. فقط الشيء الوحيد المتاح هو ذهاب العوائل والشباب للتجول في هذه الأسواق المكيفة والمضاءة والتمتع بمعرفة كل جديد في عالم الألبسة وخلافه، والجلوس في المقاهي والمطاعم وتناول ما لذ وطاب وقضاء بضع ساعات مع أبنائهم وبناتهم والاستئناس برؤية الآخرين، وربما تصادف أقارب وأصدقاء ومعارف فتأنس برؤيتهم وتتبادل أطراف الحديث والضحك معهم.
نحن نعيش في بلاد حارة جدا وعندما يدلف الواحد منا إلى أحد هذه الأسواق المكيفة مركزيا والمضاءة بأنوار تخطف الأبصار تحس أنك مسافر إلى عالم آخر، ثم إننا أمة مسلمة نقفل متاجرنا لكل وقت صلاة خصوصاً تقارب صلاتي المغرب والعشاء، ففي الصيف يؤذن للعشاء قرب الساعة التاسعة فكيف نقفل المحلات بعد ساعة فقط من صلاة المغرب بالله عليكم فلو قالوا نقفل الساعة العاشرة أيَّام الأسبوع وأيَّام الإجازة الأسبوعية وغيرها يكون الساعة الثانية عشرة. أين تذهب هذه الحشود فلا دور سينما ولا مسارح ولا أنشطة ترفيهية.. جفاف تام.. وكتمة تامة.. ويا عين لا تحزن.
اذكر انه قبل عشرات السنين كان جزء من حي المربع الواقع أمام حديقة الوطن حالياً يعج بالدكاكين، تجد فيها ماكينات العرض السينمائي والأشرطة تستأجر من قبل الأندية الرياضية ومن قبل الناس لمناسبات الأعراس والتجمعات الشبابية ويأتي من يشغل هذه السينما لك في الهواء الطلق.. يعني متطورين.. ما شاء الله. وفي مدينة جدة توجد دور عرض سينمائي ربما أشهرها سينما جمجوم وغيرها، وفي الظهران كان الناس يذهبون من الرياض لمشاهدة تلفزيون أرامكو الذي يغطي أغلب مدن المنطقة الشرقية، وكذلك يوجد دور عرض سينما لموظفي شركة أرامكو وعوائلهم وأقربائهم وأصدقائهم وزائريهم، ولا سيما ما يعرف بالسنيور ستاف وهو مدينة صغيرة راقية صممت على غرار أي مدينة أمريكية راقية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، من بيوت شيدت على نظام المعمار الأمريكي البسيط والجميل والنظيف وبطرق مشجرة ونظيفة ومدارس راقية وأندية رياضية وملاعب ودور عرض سينمائية وحدائق ومراكز صحية راقية ولا زالت إلى اليوم، وهي مخصصة لكبار موظفي أرامكو من الأمريكان والأجانب وبعض السعوديين.
في الماضي كانت تقدم عروض مسرحية في الفناء الخلفي لعمائر ابن سليمان بين شارع الملك فيصل رحمه الله (الوزير) وشارع البطحاء ثم في المركز الثقافي بجوار مدرسة اليمامة غربي حديقة الوطن. اليوم جفاف وفقر وغلدمة.
إن دور العرض السينمائي بإمكانها أن تلعب دورا ثقافيا وترفيهيا وأماكن لقضاء أوقات أسرية جميلة، وعادة ما تتكون دور العرض من دورين دور سفلي يصلح لأن يخصص للرجال العزاب والشباب والدور الثاني أو ما يتعارف عليه بالميزانين للعوائل أو حتى للنساء، وأما ما يخص الأطفال فبالإمكان أن يكونوا برفقة والديهم أو أخيهم أو قريبهم أو بصحبة أمهاتهم أو أخواتهم أو قريباتهم، وبالإمكان أن تخصص أيَّام لعرض أفلام خاصة بالأطفال أو أوقات في بعض الأيَّام لتسليتهن والترفيه عنهم ودور السينما مثلها مثل التلفزيون، ومن الممكن أن تستخدم للتثقيف أو التوعية أو التسلية بل ونشر الدعوة إلى السلوك القويم والاستفادة من الوقت في ما يجري حتى لو كان تسلية وترفيه، وهناك أفلام علمية وتثقيفية ولرؤية العالم من حولنا بكل ما فيه من ثقافات وعادات وأماكن سياحية وأثرية.
أيضاً ليس لدينا مدن ترفيهية بالمعنى الحقيقي على غرار ديزني لاند مصغرة، وكان الشيخ صالح كامل قد منح أراضي مساحة الواحدة منها عشرة آلاف متر مربع وهي مساحة صغيرة جدًا لمدن ترفيهية حقيقية، ولكنه كان مشروعا تقرر إقامته في الرياض وجدة والدمام وذلك منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا أو يزيد ولكنه لم يرَ النور، وكان سمو الأمير الوليد بن طلال قد قرر إقامة مشروع مماثل ولكنه ولد ميتًا مثل سابقه، نظرًا لعوائق تخص المجتمع السعودي من بعض الفئات التي تخاف وتكره وتحارب كل جديد، كما حدث عند دخول المذياع على زمن موحد المملكة، حين قالوا إن الشياطين تسكنه وتتحدث من خلاله، فأخرسهم الملك عبد العزيز ببديهته السريعة فأسمعهم القرآن الكريم يُتلى من المذياع، حينها قال لهم هل الشياطين تتلو القرآن أو تحبه أو تسمعه؟ فكان جوابهم والله إنك صادق يا طويل العمر.. ثم حاربوا البرقية فقالوا نفس ما قالوه سابقًا وأفحمهم بما يأتي به البرقية من أخبار سارة من أرجاء الوطن، وتسهل التواصل ببن المؤسس ومنسوبيه من أطراف البلاد وتواصل الناس فيما بينهم، ثم جاء التلفزيون حيث تعتبر بداية حديثة إلى حد ما، وكانت بدايته بالأسود والأبيض في منتصف التسعينات الهجرية فحاربوه أشد محاربة، حيث يرى الرجال والنساء وأنه ضرب من السحر أن المذيع على شاشة زجاجية بشحمة ولحمه، وكان بعض الناس يطلب من النساء عدم كشف وجوههن حتى لا يراها من يتصدرون الشاشة من مذيعين ومتحدثين وممثلين ومغنين، وكانوا قبل ذلك قد حاربوا تعليم البنات وفي بريدة قلعة التشدد في نجد في زمن مضى قام نفر وإن كان قليلاً في عدده منها بالتوجه لمدينة الرياض، لمقابلة الملك فيصل عليه - رحمه الله - مطالبينه بعدم فتح مدارس البنات وسرعة البديهة والحكمة عادة تكون بعض من صفات القادة النجباء، فكان جوابه من لا يريد تعليم ابنته الدولة لن تجبره. وعندما رأى بعض أهل بريدة أنهم قد خسروا طالبوا بما عارضوه فقد اكتشفوا خطأهم وتسرعهم.
وفي إحدى السنوات هاجم نفر قليل برج التلفزيون واليوم يحاربون إنشاء دور السينما وقيادة المرأة للسيارة التي رضينا أو لم نرض سوف تتم في يوم من الأيَّام، فنحن البلد الوحيد الذي لديه جيش من سائقي المركبات الخاصة يقدر بمليون فرد من أغلب دول العالم ونحن لا نعرف عن حالتهم النفسية وتاريخهم الشخصي، إضافة إلى أنهم قادمون من دول ليس فيها مركبات فخمة وسريعة وطرق واسعة ولكن لو كانت الأم هي التي تقود المركبة لأختلف الأمر وتخلصنا من هذا الجيش أو بعضه وارتحنا من كثير من المشاكل والأضرار، وسوف يكتشف البعض خلطهم وخطأهم ولكن دائمًا بعد فوات الأوان، وليس لدى أحد شك في أن لكل جديد رفضا واستنكارا ولكل عملة وجهان وما علينا إلا أن نضع النقاط، ما هي المضار وما هي المنافع؟ ونزن ذلك بميزان العقل والحكمة، فإذا كان النفع أكثر أخذنا به وإذا كان العكس يترك، وما نروم إلا الخير ومحبة الوطن وما علينا إلا أن نفتح النوافذ والأبواب ليتجدد الهواء ويسلم الجميع من مظاهر التفحيط والمخدرات وغيرها.
وعلى ذكر التفحيط حبذا لو قامت الدولة والقطاع الخاص بإنشاء مضامير لها للتنفيس عن الشباب وكذلك عمل ملاعب لكرة القدم والسلة وغيرها داخل كل حي لشغل أوقات فراغ الشباب في ما يجدي وتفريغ طاقاتهم الكامنة.