في برنامج تلفزيوني أمريكي عن المحاكمات القضائية اسمه Justice With Judge Mablean ترفع أم أميركية قضية على أم أخرى لزميلة طفلتها في المدرسة وتبلغان العاشرة من عمريهما، بسبب أن تلك الطفلة تنبز ابنتها ببعض العبارات مثل (قبيحة.. ودبة... إلخ) وتطالب في قضيتها أن تتكفل عائلة الطفلة المعتدية -لفظيًا- بدفع كافة مصاريف العلاج النفسي للطفلة التي تأثرت حالتها النفسية بسبب تلك الألفاظ، إضافة إلى اعتذار زميلتها منها في نفس مكان وقوع هذه الألفاظ وهو المدرسة، وعدم تكرارها. وتم بالفعل أن حكمت القاضية لها بهذا الحكم.
في أميركا أيضًا، هناك حملة تُدار في جميع المدارس تحت عنوان: Stop Bullying ولها موقع إلكتروني متكامل فيه كافة الإرشادات والقوانين التي تساعد الأهل في حال تعرّض ابنهم لمثل هذه الألفاظ. تهدف الحملة إلى إيقاف التنابز بالألقاب أو إطلاق العبارات غير المحمودة التي تهدف إلى إعابة الشخص لغيره، والتي تُحدث أثرًا نفسيًا يستمر على المدى الطويل دون أن نشعر.
في مجتمعاتنا تنتشر هذه الظاهرة، وهي ليست حديثة، فأذكر وأنا من مدينة شقراء أن منطقتي من أكثر المناطق التي تنشر فيها (العيارة) حتى صارت أسماء بعض عوائل المنطقة تحمل اللقب الذي كانت تُعاير فيه أو يعاير فيه أحد جدودهم. هذه التصرفات نأخذها بضحك أو على سبيل المزاح ونعتبرها في بعض الأحيان خفة دم. قد لا أحكم على ذلك الوقت الذي انتشرت فيه تلك السلوكيات ولا على الحالة النفسية المسيطرة آنذاك وطريقة تقبل الناس للتنابز ومدى تقبلهم، إلا أنه في الوقت الحالي تختلف المؤثرات من حولنا، فما كان مقبولاً في زمن ما، لم يعد مقبولاً في هذا الزمن.
أظن أننا نعاني من أمراض التنابز وإطلاق العبارات السفيهة مثلنا مثل كل المجتمعات، المهم أن نشعر بأنها سلوكيات خاطئة وأن نبدأ بالفعل في خطوات حل المشكلة، أنا مثلاً كأم عندما يشكو لي ابني من زميله الذي يرميه بلقب أو كلمة غير محببة له، ليس بيدي سوى أن أنصحه بعدم الرد عليه حتى لا يتم التمادي في الإساءة، وقد يكون رد فعل أم أخرى أن تطلب من ابنها الرد من خلال الرمي بكلمة غير محمودة بحجة أنه يستخدم نفس السلاح الذي رُمي به، عادة أنا لا أستخدم الأسلوب الثاني مع أولادي، ولا أحب أن يطول التراشق، بينما هناك أمهات يعمدن على استخدام الاسلوب الثاني كنوع من الانتقام، بينما الأم الأميركية اتجهت إلى القضاء وحصلت على حقها وعلى ما يرد الاعتبار لطفلتها دون تطاول من جهتها ولا امتداد لعملية التراشق!
العملية التربوية ليست سهلة، وينقصنا التكامل التربوي بين البيت والمدرسة، فقد يقع الطفل في هوة اختلاف المفاهيم التربوية بين الجهتين، وقد يكون من أسرة لا تقبل بهذه الألفاظ ويقوم على تعليمه معلمة أو معلم يستسهلها والعكس، نحن في مشكلة عدم الشعور بالمشكلة، عدم الشعور بأن التنابز واطلاق الألفاظ التي صار يتفنن فيها مجتمعنا ويستحدث فيها الجديد، أنها ألفاظ تؤثر سلبًا على الطفل سواء في الوقت واللحظة، أو في المستقبل، وأن هذا يتسبب في سقوط الاحترام بين أفراد المجتمع، بل وبين الإنسان وذاته.
نحن بحاجة إلى حملة تربوية لإيقاف التنابز واللمز والألفاظ السيئة التي صار الناس يستسهلون تداولها، حملة نحاول أن نستفيد فيها من تجارب الدول الأخرى التي شعرت بالمشكلة وقامت بالإجراءات التي تساعد في حلها.