منطقة «جدة التاريخية» هي مدينة جدة الحقيقية. يعرف هذا كل من ربطته ذكريات شخصية بالمدينة الجميلة وكل من عاش فيها أو مَرَّ بها أو قرأ عن تاريخها.
وقد حلَّقتْ «منطقة جدة التاريخية» إلى سماء العالمية وتم تسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي بمنظمة اليونيسكو. وهي، بكل جدارة، تستحق هذه المنزلة الرفيعة بل هي تتفوق في تاريخيتها وزخمها الثقافي على العديد من المواقع التي تم تسجيلها في اليونيسكو ضمن قائمة التراث العالمي في بلدان ومدن أخرى من العالم.
ولكي نحافظ على هذه الجدارة وننميها، نحن مطالبون بتكثيف الجهود لتطوير المنطقة التاريخية وتنشيط الفعاليات الثقافية والاقتصادية والترفيهية المختلفة في المنطقة وهو ما تفعله الهيئة العامة للسياحة والآثار وبعض الأجهزة الأخرى في محافظة جدة.
سنكون هذا المساء 14 يناير، ولأيام قادمة، على موعد مع مهرجان جدة التاريخية الذي ينطلق في المنطقة التاريخية تحت عنوان جذاب: «شمسك أشرقت»، وسوف تقام فعاليات عديدة تتناغم مع خصوصية المكان وترسخ الصورة الجميلة التي كانت عليها المنطقة التاريخية بجدة القديمة التي عاشتها أجيال متعاقبة من قديم الزمان وظلت حيَّة حتى سبعينيات القرن الماضي حين داهمت الطفرة العمرانية الصاخبة مدينة جدة وغيرها من مدن وقرى المملكة وكادت تزيح، بل ربما أزاحت، من الخارطة الجغرافية لمدننا وقرانا الكثير من الأحياء التاريخية التي كانت تعبق برائحة الثقافة المحلية والتراث المعماري الأصيل.
الجميل في مهرجان «شمسك أشرقت» هو أنه يتضمن مسارات متعددة تلتقي مع تاريخ وثقافة المنطقة. فالمسار الأول هو مسار للتسوق ينطلق من مدخل سوق الندى الشهير الذي خلدته الأشعار والأغاني الجداوية ويمضي إلى شارع قابل التاريخي. والمسار الثاني هو مسار للتاريخ يبدأ من باب النبط ويمضي عبر الأسواق حتى باب مكة. والمسار الثالث هو مسار الثقافة ويبدأ من برحة نصيف، والمسار الرابع هو مسار ترفيهي ويبدأ من باب المدينة.
روعة هذه المسارات تتجلى في نوعية الفعاليات التي تتضمنها، بما في ذلك الندوات والمحاضرات والملتقيات وإقامة المتاحف مثل متحف الجرائد ومتحف المستندات والوثائق والمتحف البحري ودكان الكتاب الجداوي، بالإضافة إلى فِرَق الفنون الشعبية والورش الحرفية ومعروضات الأكلات الشعبية، وغيرها.
هذا الجهد الجميل يستحق الشكر. وما نتمناه هو أن تتوالى الجهود المبذولة من الهيئة العامة للسياحة والآثار وغيرها من الأجهزة الحكومية والأهلية للمحافظة على الثقافة والتراث الوطني في جدة وفي جميع مناطق ومدن وقرى المملكة وأن تستمر على مدار العام، فهي فضلاً عن قيمتها التاريخية والثقافية تُعتبر رافداً للاقتصادات المحلية ومصدراً لتوظيف المواطنين في أنشطة وحِرف كثيرة ذات محتوى ثقافي يعزز هوية المكان.