تشكل نسبة الشباب في العالم الإسلامي نصف التركيبة السكانية لهذه الأمة، وحيث إن الشباب هم مستقبل الأمة في حاضرها وكل مستقبلها فإن بعض شباب هذه الأمة اليوم أصبحوا حجر عثرة في طريقها، وحينما أتوجه بالنقد إلى بعض شباب الأمة وأنتقدها نقداً موضوعياً فإني سوف أتوجه بهذا النقد إلى الجانب الفكري والديني فحسب وأدع ما سوى ذلك لغيري.
بالمناسبة إني قد عاصرت بواكير صحوة بعض الشباب وكنت قد سبرت أغوار هذه الصحوة ووقفت عليها عن كثب علماً أن هذه الصحوة تشيع في أوساط شباب الأمة من حين لأخر. إن صحوة بعض شباب الأمة هي صحوة معتلة المزاج قد كبدت الأمة مشاكل جساماً الأمة في غنى عنها. وإذا أردت أن أميط اللثام عن تلك الأسباب التي جعلت هذه الصحوات يشوبها شيء من الانحراف والمثالب الفكرية والمزالق الفقهية لوجدت أن هناك جملة من الأسباب دونكم بعضاً منها:
السبب الأول: إن من أسباب فجاجة فكر هذه الصحوات هو أن الأمة اليوم كانت قد استقت مفاهيمها الدينية والفكرية من حقبة إسلامية ضعف فيها معرفة مضامين ومقاصد هذا الدين. لأن هذه الحقبة التي نعيشها اليوم قد استقت مفاهيمها من اجتهادات بشرية هي عرضة للصواب والخطأ أي أن الأمة الإسلامية في هذه الحقب قد ابتعدت عن مصادر الدين الأساسية (كتاب الله وسنة رسوله) وابتعادها عن هذه المصادر له سبب ألا وهو أنهم آنذاك لم يفهموا روح هذه المصادر لسبب أو لآخر ومن ثم ركنت إلى أشياء أخرى ذكرتها سابقاً ومن ثم اجترت الأمة ذلك الضعف والتردي جيلاً إثر جيل حتى وصل إلينا هذا التردي اليوم!! وها نحن نجني حصاد ذلك التردي. إذاً اليوم على علماء الأمة الإسلامية في العالم الإسلامي مسؤولية عظمى من أجل تنقية الفقه وإلا سوف تنصهر الأمة في بوتقة مشاكل جمة لا يعلم مداها إلا الله. ومن لم يأخذ بكتاب الله وسنة رسوله فإن شباب الأمة على وجه الخصوص والأمة على وجه العموم سوف يقعون بمثل هذه الأخطاء بعيداً عن الوقوف على مضامين ومقاصد الدين الحق.
إن الرعيل الأول وصدر الإسلام حينما كانوا يتماسون مع مصادر التشريع الأساسية كانت كل مخرجاتهم الفقهية منبثقة من كتاب الله وسنة رسوله وبهذا الأسلوب سلمت الأمة وقتها من الهنات والمطبات الفكرية والمزالق الفقهية. إن فكر صدر الإسلام الأول هو فكر خلاق متقد حالفه الصواب كيف لا يكون كذلك وهم ينهلون من تلك المصادر المتينة العذبة ومن ثم كنت أفضت مخرجاتهم إلى تلك الأفكار التي حمت الأمة ووقتها من الأزمات ومن ثم عاشت في فقه أرحب وفكر خلاق.
السبب الثاني: إن من أسباب خطأ هذه الصحوات إنها قد ارتدت رداءً مهلهلاً هو أن شباب الأمة منذ نعومة أظفارهم وهم يتلقون تعاليماً تزهدهم في الحياة الدنيا وملذاتها المباحة في نظر الشارع الكريم أي أنهم خالوا الوفاض من متع الدنيا المباحة ومن ثم يتطلعون بمزاج معتل إلى ما أعده الله لهم في الآخرة، علماً أن التطلع إلى ما أعده لنا في الآخرة غاية سامية ومطلباً نبيلاً لا يختلف عليه اثنان ولكن ليس على حساب الدنيا التي أمرنا الله بعمارتها عمارة تكون وفق مبتغى الله. إن الذين يتصدون إلى تعليم الشباب نراهم اليوم لا يقيمون للدنيا وزناً في عقول الشباب فيحرمون عليهم متع الحياة الدنيا المباحة مضيقين الخناق عليهم ومن ثم يتوق الشاب إلى ما في الآخرة سالكاً في ذلك أساليب غير شرعية مثل تعشق الحور العين عبر بوابة الجهاد غير المبرر، وكل قصارى حياتهم هو الموت السريع من أجل الالتحاق بذلك النعيم ومن ثم معانقة الحور العين.
ولكن ذلك الشاب الذي يكون في مزاج غير سوي ويعشق الدم ويسهل عليه خوض غمار الجهاد فلربما لا يتحصل على ذلك الثواب الذي يتحصل عليه من كان الجهاد شاقاً عليه. إن الله تعالى قد أقام للدنيا وزناً ولم يزهد فيها لدرجة تركها قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}؛ هذه هي النظرة المتوازنة إلى الدنيا والآخرة.
السبب الثالث: إن كل نشاز تكبدته الأمة الإسلامية ما هو إلا من ضعف في مدخلات تعليم شبابها لاسيما المدخلات الفكرية وهذا الضعف هو مسؤولية مشتركة بين علماء الأمة ودعاتها وخطباء منابرها وربما يكون الإعلام كذلك مسؤولاً عن هذا هو الآخر بطريقة أو بأخرى. إنه يجب ألا يسوق للشباب إلا تلك التعاليم التي خرجت من عباءة الدين الحق لا من عباءة زيد أو عمرو. إن الدعاة أحياناً يسوقون تعاليم تخدم أهواءهم الشخصية وميلهم العاطفي.. بينما الدين الحق يجب أن يجرد من نزعات الأهواء والنزعات العاطفية الجامحة التي تطوح بالشاب بعيداً عن دائرة الدين القويم.
وختاماً اسمحوا لي أن أقول لكم شيئاً هو إن بعض التعاليم التي تسوق للشباب هي تعاليم محبطة تجعل الشاب معتلاً ومتشنجاً في حياته!! حيث إنه لا يسمع في أذنه إلا أن الله شديد العقاب وإن الآخرة ليس فيها إلا العذاب وحُق لأي شاب يسمع مثل هذه التعاليم أن يعتل مزاجه وتضطرب أوصاله.. ولكن لو علم أن الله غفور رحيم وأن رحمته سبقت غضبه وأن رحمته وسعت كل شيء وأن الله لا يريد أن يعذب عباده، بل يحب أن يأتوا إليه طامعين في رحمته أليس الله تعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).. ودعني أضع خاتمة لهذا المقال المتواضع، إذا كان بعض شبابنا اليوم قد وصل بهم ما وصل من التردي فما أحوجه إلى من يأخذ بيده وهي تتخبط في دياجير الظلام وأودية الضلال.. وإنه ليندى جبيني أن الأمة تشاطر هؤلاء الشباب بضلالهم!! فلو أن الأمة نذرت من وقتها شيئاً لإصلاح الشباب لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم!! وإنه لم تر عيني أفضل استثمار في توجيه هذه الطاقات التي يجب أن يفرغ جهدها في الإصلاح.. وإذا فاتنا اليوم شيء من شبابنا فيجب أن نستدرك الناشئة اللاحقة.