ما يحدث حاليًا، هو الزج بالفتيات والشباب في الوظائف «الدنيا» تركيزًا على سعودتها، دون النظر إلى أهمية برامج التدريب ما قبل التوظيف، والتعليم على أبجديات التعامل مع الزبون، وطريقة الوقوف أمامه، وكيفية خدمته، وطريقة مساعدته.. أشياء كثرة يفتقدها شباب هذا الجيل ممن بتنا نراهم في المحلات والأسواق والمستشفيات.
كنت أقف على طاولة المواعيد قبل أيام في أحد أفخم وأكبر المستشفيات الخاصة، وكنت أنتظر من الموظف وهو شاب عشريني صغير ترتيب موعد لابني مع الطبيب وطباعة الموعد على ورقة، لم أتمكن من أخذ الورقة من بين يديه، حيث كانت أظافره ملطخة بالسواد، والنظر إليها مزعج ومقزز ومن الصعب استلام ورقة لمستها تلك الأصابع، هذا الشاب المسكين واضح أنه آتٍ من بيئة بسيطة، والعتب ليس عليه بل على من وظفه، أليس الأولى قبل أن يجلس على مقعد المواعيد أمام الناس أن ينظر رئيسه لأظافره ويطلب منه تنظيفها على الأقل إن لم يكن احترامًا للناس، فهو احترامًا للمستشفى الكبير الذي يعمل فيه والذي يُفترض أنه يسير على نهج النظافة والتعقيم!
في السوبرماركت، يقف الشاب السعودي خلف آلة الحساب، يقطع عمله كل خمس ثوان إما بتأليب الموظف الآسيوي الذي يقوم بتعبئة الأكياس، أو برمي علبة من علب المشتريات على زميله الذي يقف على الكاشير المقابل ليتأكد له من سعرها، ثم يرميها الآخر عليه، وكل الفترة الذي يمكن أن تقضيها كعميل أمام هذا الشاب إلى أن تفرغ من محاسبة أغراضك وأنت تسمع كلمات وتعليقات عجيبة بين الشباب البائعين يتخللها -بعض- الألفاظ غير المؤدبة، هؤلاء الشباب المساكين أتوا بحثًا عن الرزق وليس ذنبهم أنهم تربوا في بيئة لم يتعلموا فيها أبجديات الأدب، وليس ذنبهم أنهم يعيشون في مجتمع يستسهل الألفاظ الدنيئة، إنما ذنب من وظفهم أنه لم يدربهم على احترام العميل وجعل هذه الألفاظ والسلوكيات بعيدة عن مسامعه!
في محلات الملابس النسائية تبيعك الفتيات بتوتر وضجر، تسألها عن مقاس معين أو عن بضاعة بكل سهولة تقول: (ما أدري) إن كانت البائعة لا تدري ولا تعرف كيف تساعد العميل فمن الذي يدري؟! هو ليس ذنبها بل ذنب من وظفها أنه زج بها في مكان لا تعرف فيه شيئًا! هذا عدا الألفاظ المتداولة بين الفتيات البائعات أمام الزبونة، أقلها نعت الواحدة للأخرى بألفاظ من العيب أن تقال فكيف بها أن تُقال أمام الزبائن! أيضًا هذه الألفاظ والسلوكيات ليست ذنبهنّ بل ذنب من وظفهنّ أنه لم يدربهنّ على أساليب التعامل مع الجمهور.
أنا هنا لا أعمم حتى لا أُتهم بجريمة التعميم، إنما أنقل مشاهدات الناس وليس مشاهداتي فقط، مع العلم أنني نادرًا ما أذهب إلى الأسواق لأنني -شخصيًا- أشتري احتياجاتي من الخارج أو عبر التسوق الإلكتروني تحاشيًا للذهاب إلى الأسواق، قد يقول البعض لماذا تذكرين هذه المعلومة في بطن المقال وقد لا تهم القارئ، فأقول: أن هناك عدداً ليس بالقليل من القراء يعتبر كل ما يقوله الكاتب أو يكتبه هو عبارة عن تجارب أو مطالب شخصية، لذا أؤكد أن مثل هذه الأمور لا تمسني -شخصيًا- لا من قريب أو بعيد، إنما تمس أشخاص أتألم وأنا أراهم في هذا الوضع الذي يحتم أن ينتهي بالفشل، ولأنني مواطنة أولاً لا أريد الفشل لبنات وأبناء بلدي.
قبل السعودة، هناك أمور صغيرة قبل الكبيرة ينبغي تدريب الشباب من الجنسين عليها، شرط أن يقوم على تدريبهم عرب وأجانب وسعوديون منتقون ليتعلموا منهم أصول اللباقة وأساسيات الكِياسة، ما الذي يمنع ما دام صاحب العمل يدفع 2400 ريال سنويًا عن كل وافد عربي وأجنبي لصندوق الموارد البشرية، فهل تذهب هذه الأموال على التدريب بصدق؟!