وزير العدل مُسترجع ملايين الأمتار من الأراضي المغصوبة. ومُطور آلية عمل القضاء بعد جمود نصف قرن. هو درع القضاة وحصنهم، وهو نصير المواطن ومحامي المظلوم. وقد ورث الوزير الشيخ إرثاً ثقيلاً، فهو يعمل ليلاً ونهاراً، لا يعرف الإجازة ولا سمر ليالي الجُمع. فارس قائم على حراسة ثغر العدل، والعدل أساس المُلك ودرعه الحصين، والمُلك أُس أمن البلاد ووحدة الوطن.
أنظر، فكم أرى من أيد بيضاء للشيخ الوزير على الوطن والمواطن، فأتعجب! لم لا يتحدث الناس بإنجازات وزارة العدل. فلا أرى سبباً لذلك إلا روح اللامبالاة من مجتمع قد أيس وقنط من القضاء على الفساد. فالفساد أشد فتكاً، بالعقل والنفس والمال، من المخدرات على المجتمع. ومن ذا الذي يلوم تبلد إحساس المجتمع؟ فالمجتمع يرى تعاظم شبكات الفساد الإداري والمالي العنكبوتية، ويشعر بعمق جذورها وتخللها.
فقد تطورت أساليب الفساد تطوراً علمياً ونوعياً وكمياً، بتطور المشاريع والشركاء الأجانب. فما عادت أساليب مراقبة كشوف الحسابات وإغلاق مظاريف المناقصات عائقاً لهم بل درعاً لهم يقيهم من التهمة.
فأساليب شبكات الفساد اليوم تعمل في أصل المناقصات والاستشاريين واللجان، وخاصة بعد أن تمكن نفوذها في قلوب الناس. فجرائم شبكات الفساد وإن كانت جرائم بيضاء لا عنف فيها - حتى الآن - ، إلا أن حالة الخوف من التعرض التصادمي لشبكة الفساد، وقبول الإذعان لسيطرتها وهيمنته، أشبه ما تكون بحالة المجتمعات التي سيطرت عليها المافيا ردحاً من الزمن.
ولكل شيء إذا ما تم نقصان، فكما سقطت المافيا حين اكتملت قوّتها بعالميتها، فستسقط شبكات الفساد عندنا، فقد اكتملت قوّتها بامتدادها عبر الحدود كما تشهد عليه الدلائل. فهم هم، أباطرة الشبكة، تراهم في الأردن وفي المغرب وفي مصر وفي غيرها.
يا وزير العدل الخبير بمكائد الفاسدين وإشاعاتهم. كيف كان لسان الحال قبل أن تسترجع ملايين الأمتار المُغتصبة؟ ألم يكن المختلسون والمزورون يوهمون الناس بتدرُّعهم بحصن متين؟ ألم يكن المُلاك المختلسون للأراضي ينشرون أنهم مجرد صور لآخرين؟. أين هي مزاعمهم الكاذبة. ولو أفتُرض صحة بعض ما قالوه، فهذا ما قبضوا عليه الأجر، فالعقد الذي يزعمونه ينص بأن يكونوا ممسحة خزي خيانة الأمانة وعار نهابة الوطن. وهذا هو كذلك حال شبكات الفساد العنكبوتية، وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.
يا وزير العدل: هل لك بمن تجرأ على هيبة العدل واستخف بمقامه فأصبح يعرض الفساد بلا تحفُّظ، فإذا أُخنع، قام فأرسل تبيعاً له يفتخر بفعل سيده علانية أمام الجمع كله، فإذا هم جميعاً تحت أمره، فلا تعلم من التبيع منهم ومن الخائف ومن المغفل.
يا وزير العدل، لقد تجرأت شبكات الفساد العنكبوتية فهم يسرحون ويمرحون باللجان، حتى أصبح بعضها كسيرك مهرجين. ومن تحكم باللجان تعييناً ثم تصريفاً، تحكم في تنفيذ القرارات. فلهذا تتعثر المشاريع وتضيع الأمور وتتعاظم قيم العقود.
ولا تقف المصيبة عند هذا فقط. فإنّ المشاريع التي تخرج من رحم الفساد لن تتعطل في المستقبل فقط، بل وستصبح عبئاً وخطراً على الدار والديار والأبناء. فهذه مصر اليوم أخرجت بعض فضائح مقاولي ألستوم وشركائها وأذنابهم. فانفجارات في محطات الكهرباء وعطول وخرابات ومهازل، اختزلها عنوان «شركة ألستوم الفرنسية مقبرة محطات الكهرباء في مصر».
يا وزير العدل، إن كانت الأراضي المغتصبة التي استرجعتها وزارة العدل تُقيم بالمليارات، فإنّ القضاء على الفساد بتتبُّع شامل لشبكة ألستوم عندنا، سيرجع على البلاد وحكومتها وشعبها وأجيالها بالترليونات. فمُعامل الفساد تضاعفيته كبيرة، وآثاره الحاضرة والمستقبلية، سياسياً، واقتصادياً واجتماعياً، ذات كلفة عالية بأرقام فلكية.
يا وزير العدل الأمين هذه فضيحة شركة ألستوم قد جاءتك على طبق من ذهب. فخيوطها وشبكتها وعملاؤها تتشابك خيوطهم محلياً ودولياً. والحكومة السعودية قد زوّدت وزارة العدل الأمريكية بمعلومات كثيرة نافعة، كما صرح متحدثهم، ساهمت في إسقاط ألستوم. فوالله لحكومة المملكة العربية السعودية الموحدة الملتفة حول مليكها الصالح وولي عهده الأمين، خير وأصدق وأقوى من الحكومة الأمريكية المتنازعة على الرئاسة والأحزاب. ووزارة العدل السعودية أقوى بشرع الله من وزارة العدل الأمريكية.