* الاستطلاعات في حقيقتها بشكل عام إحدى الوسائل البحثية المستخدمة لقياس ظاهرة، أو الوصول إلى حقائق محددة ينطلق منها إلى الإصلاح والتطوير، وصناعة التأثير في الرأي العام، وفي البحوث بصفة خاصة تحتم الأمانة العلمية على الباحث ألا يتكئ عليها لوحدها، وتجاهل الوسائل الأخرى، كالاستنطاق، والمقابلة، والاستجواب إلى غير ذلك..
* في الوقت الحاضر أصبحت مراكز الأبحاث، ولأهداف محددة تستطلع آراء الجمهور تجاه قضية، أو سلعة من السلع يراد لها الترويج، أو عن منشأة من المنشآت، أو خدمة من الخدمات العامة التي تقدم، وبالتالي يتم توظيف النتائج سلباً أو إيجابا. نعم لا نستطيع الجزم أن كل تلك الاستطلاعات تنشأ لأهداف سامية على الإطلاق، بل لا تستغرب إذا كانت تطرح لأهداف تجارية ومصالح ذاتية، وتتم المساومة على النتائج، جميع هذه الممارسات موجودة، والنزاهة في مثل هذه الأعمال تظل نسبية.
* هيئة مكافحة الفساد استهدفت كأي جهة حكومية في أحد تلك الاستطلاعات، وجاءت النتيجة أن 86% من المستطلعين غير راضين، أو أن الهيئة لم تقم بدورها على أكمل وجه، وهذا الاستطلاع امتداد لاستطلاعات كثيرة وربما جاء عدم الرضا عن بعض القطاعات الخدمية يتجاوز هذه النسبة بشكل كبير حتى ليعتقد القارئ أن هذه الجهة ليس لها وجود على الواقع، أو أن خدماتها وهمية.
* هيئة مكافحة الفساد من تابع موقعها الالكتروني منذ إنشائها عمدت إلى إجراء الكثير من الاستطلاعات الالكترونية على محاور عدة، وأتاحت للإعلام استقراء النتائج وتحليلها، إيمانا منها بأهمية هذه الوسيلة في ضرورة التقييم المرحلي لمنشأة تعتد وليدة النشأة إذا ما قورنت بالمؤسسات الرقابية الأخرى العريقة.
* وجهة نظري أن طرح محورين في أي استطلاع (راضٍ، أو غير راض) لا يعطي دلالة واقعية، لأن الرضا من عدمه حالة مرتبطة بمزاج الشخص عند التقييم، وما يحيط بها من عوامل نفسية. حتى في مجال القضاء نجد في الهدي النبوي راعى الحالة النفسية الراهنة للقاضي، وهو يقضي، من حيث الغضب، والجوع والعطش...وربما لو تم استطلاع الإنسان عن نفسه، هل هو راضِ عن سلوكه وواقعه، أو غير راض، ربما تجد نسبة كبيرة تكون إجابتهم بالسلب إلا فئة استوطن الإيمان بالقضاء والقدر في نفوسها. هذا في حال تقييم الذات، وما بالك في تقييمنا للآخرين، والأهواء والمواقف التي قد تتنازعهم في ذلك.
* سيكون من الرائع جدا فيما لو تبنت إحدى الوسائل الإعلامية، أو المراكز البحثية المحايدة استطلاع قصير، في محاور محددة للمقارنة بين مستوى فاعلية الأجهزة الرقابية التي تتشابه في المهام والاختصاصات، ويدور عملها في فلك واحد، هنا ربما يكون للاستطلاع أهميته التي تلفت الانتباه، وتدعو كل جهة لمراجعة سياستها في العمل، ومحاولة التطوير، وتجاوز السلبيات.
* نحن مقبلون وبقوة على (مركز القياس والأداء للمؤسسات الحكومية )، والذي يحتضن مشروعه (معهد الإدارة العامة)، هذا المشروع الذي صدرت الموافقة على إنشائه قبل خمس سنوات، ورغم تعثره وتباطؤ العمل في إنجازه لأسباب لا نعلمها، لكنه إن رأى النور وسيرى إن شاء الله سيحرك بلا شك المياه الراكدة، وسيجعل كل منشأة على المحك أمام الرأي العام، لأنه سيتولى قياس أداء الأجهزة والهيئات والمؤسسات، وسيستخرج من ذلك مؤشرات سنوية تعكس أداء هذه المنشآت، وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه المؤشرات في تحسين وتطوير الأداء وفق منهجيات علمية، وممارسات عملية حديثة.
مما يحمد لبعض مؤسساتنا الحكومية، ومنها (وزارة التربية والتعليم) أنها استقرأت المستقبل في هذا الجانب إلى حد ما، وبدأت بوضع مؤشرات قياس بين إداراتها على مستوى محدود، لكنها رغم تواضع الخطوة في أعين البعض غرست مفاهيم معينة للتنافس، وهيأت الميدان بشكل كامل لما سيطلب منهم في المستقبل (وإن غداً لناظره قريبُ).