* لم تصبح قنوات الإعلام المرئية الرسمية بالذات كما كانت سابقا تقود الرأي العام أو توجهه، ولهذا أمست منزوية أمام الإعلام الفضائي الخاص، بل ربما أن الجيل الجديد أو المعاصر ربما نسي مسمياتها أو هويتها، ولولا بعض المناسبات القليلة التي ما زالت حصرية عليها لظلت طي الإهمال من المشاهد تماماً.
* من المؤكد أن الإعلام الرسمي هو الذي يمثل الدولة، ويعنى بنقل أحداثها وأخبارها، ويرسم للمواطن توجهاتها، ويسهم في ترسيخ الهوية الثقافية لأي مجتمع، وهو بطبيعة الحال يبدو أكثر رصانة ورزانة، ويحرص القائمون عليه كل الحرص على المحافظة على الثوابت والخصوصية للكيان الاجتماعي، والسياسي، والثقافي، وهو في بعض حالاته يميل إلى المبالغة في تصوير الإنجازات على نحو قد لا يستسيغه السامع، مقابل بعض صور الواقع الذي يعيشه.
* بعد الانفتاح الإعلامي الضخم، وتعدد وسائل الاتصال والتواصل، والتطور التقني والتكنولوجي، والاتجاه العالمي نحو التحرر في كل مجال ظهرت على السطح القنوات الإعلامية الخاصة ذات الهدف الربحي، منتهجة في أغلبها للأسف منهج الغاية تبرر الوسيلة.
* من المعروف أن الإعلام الرسمي لا يهدف إلى الربح، وليس من أكبر اهتماماته المنافسة واستقطاب المشاهد، رغم الإنفاق الهائل والضخم الممول والمشغل لتلك الوسائل من الحكومات، والحقيقة أن المواطن في الوقت الحالي قد لا يهمه دخول الإعلام الرسمي في منافسة مع الإعلام الخاص، وأصبح لديه الوعي في قوة المنافسة بين القطاع الحكومي والخاص، ليس على صعيد الإعلام، بل على كل الأصعدة، والجودة في المنتج والمخرج هو الأساس. في الإعلام أصبح الذي يهم المواطن حقيقة هو مدى قدرة الإعلام الرسمي على التصدي والاستعداد الكامل لمجابهة ما قد يسيء للمجتمع من تلك القنوات الخاصة، سواء كان ذلك على المستوى الأخلاقي، أو القيمي، أو الاجتماعي، أو الفكري، أو السياسي، أو الأمني.
* كثير من الدول ذات الرقابة الضعيفة على وسائل الإعلام الخاصة التي يتخذ من أراضيها مقراً للبث اهتزت أمنياً، وثقافياً، وأخلاقياً، وتتضح هشاشة البناء بشكل كبير في الأزمات التي مرت بها بعض الدول إبان ما عرف (بالربيع العربي) الذي قوض وحدة بعض المجتمعات، وتسبب في تدهور اقتصادها، بالتأكيد أن كثيراً من تلك الدول استشعرت الخطورة لكنها لم تكن مهيأة لعمل حراك إعلامي قوي وفاعل من شأنه إيجاد مجتمع متزن يعي المخاطر التي تدور من حوله، فطفا على السطح ذلك الإعلام الخادم لشخصيات، أو توجهات محددة، خلقت أزمات بين المجتمع الواحد ذي الروابط العرقية التاريخية والثقافية المشتركة، أو بين شعوب مختلفة الأجناس والأعراق كذلك، وأخطر من ذلك كله أننا وبالذات في بعض الدول العربية ولظروف معينة ظلت بعض الشخصيات التي تمتلك أو تدير تلك القنوات الإعلامية الخاصة خارج القطر الذي تنتمي إليه، وترعرعت في بيئته، ونهلت من خيراته، وبالتالي من الطبيعي أن يصبح الولاء لدى البعض أقل مما هو مبتغى أو مطلوب منه، وربما وجد البعض في بعض المطارح التي استقر فيها نوعا من الدعم، أو الحصانة، والبعد عن أي مساءلة قانونية، وإذا لم يكن الرادع الأخلاقي، والإنساني، والديني، والوطني قادر على أن يكبح جماح مثل أولئك فإن النتيجة من الطبيعي أن تكون بتلك الصورة السلبية والآثار الخطيرة المدمرة التي تسببت فيها ما تلفظه وتبثه تلك القنوات على مدار الساعة.
* وكم هو مرجو في وقتنا الحاضر المضطرب من جميع الجوانب أن يكون على الأقل هناك ميثاق إعلامي شريف بين الدول يحد من خطورة ما قد يشكله واقع بعض وسائل الإعلام الخاصة، كي تستطيع الشعوب والأمم بجميع أجناسها، وأيدلوجياتها من المحافظة على القيم الأخلاقية، والاجتماعية، والإنسانية المشتركة التي تضمن لها الاستقرار، والتعايش السلمي فيما بينها، وليستشعر الجميع دائما أن الحرية المطلقة قد تكون في بعض صورها مفسدة مطلقة.