نبارك لأصحاب المعالي الوزراء الجدد وندعو لهم بالتوفيق. لن نثقل عليهم بالنقد والملاحظات وهم ما زالوا في مرحلة التعرف والدراسة لأحوال الوزارات التي يديرونها، لكن ذلك لا يمنع من طرح مقترحات متواضعة هنا أو هناك. سأبدأ بوزارة الصحة وأكرر مطالبتي بتقليص وإلغاء مركزية النظام الصحي، وإعطاء مزيد من الصلاحيات التي تصل حد الاستقلالية الإدارية للمديريات الصحية بالمناطق. وللتوضيح فقد سبق أن اقترحت معاملة القطاع الصحي بنظام يماثل النظام البلدي حيث تستقل كل منطقة بميزانيتها وأمانتها البلدية التي يرأسها أمين برتبة وزير في بعض الأمانات.
مر أربعة وزراء على وزارة الصحة منذ أول مرة طالبت فيها بتقليص مركزية وزارة الصحة، وكررت الفكرة مع كل وزير قادم. جميعهم يتفقون - في أحاديثهم وإستراتيجيتهم التي صنعوها- على أن المركزية تشكل أحد عوائق التطوير في القطاع الصحي، وربما صرح بذلك معالي وزير الصحة الجديد.
المركزية تعيق الإبداع في كثير من قطاعاتنا الحكومية، وبالذات القطاعات الخدمية الضخمة كالصحة والتعليم. أبث تهنئتي لمعالي وزير الصحة الجديد وأكرر لماذا أتحمس لإلغاء مركزية النظام الصحي بالمملكة؟
أولاً: لتحسين الكفاءة، حيث كما هو معروف فإن صغر الجهاز الإداري وقربه من مواقع العمل يزيدان الكفاءة والجودة الإدارية والمهنية معًا.
ثانيًا: للتركيز على أهداف محددة تخدم المنطقة كالوقاية وتعزيز الصحة وغير ذلك من أولويات الصحة العامة التي يمكن أن تميز منطقة دون الأخرى.
ثالثًا: لتحقيق العدالة، في توزيع الخدمات وفي الميزانيات، وفي التوظيف وفي الرقابة وغيرها.
رابعًا: لزيادة المشاركة الاجتماعية، حيث إن استقلالية المنطقة الصحية وتشكيل مجلس صحي بالمنطقة يشارك به ممثلون للمجتمع يزيدان المشاركة المجتمعية ويجعلان المسؤول بالمنطقة يتحمل مسؤولياته أمام مجتمعة بدلاً من إلقاء اللوم دائمًا على المركز.
خامسًا: لزيادة المسؤولية والمحاسبية، حيث سيصبح بالإمكان محاسبة المدير ومجلس الإدارة بدلاً من إلقاء التبعات دائمًا على المركز أو (ضياع) المسؤولية بين المنطقة والمركز. وسيصبح مسؤول المنطقة الصحية مسؤولاً ومحاسبًا بشكل أوضح من لدن وزير الصحة ومن لدن مجلس المنطقة وإدارة المنطقة والمجتمع.. الخ.
سادسًا: لتقليص التكاليف، حيث يوجد هدر مالي مباشر أو غير مباشر تسببه المركزية. المركزية تعني كبر الجهاز الإداري وضخامة أعماله وبالتالي صعوبة سيطرته على جميع الأعمال وهذا يقود إلى تجاوزات وعدم توجيه الموارد لمواقع الاحتياج الفعلي بالمنطقة الصحية.
أشرت إلى أن وزراء الصحة السابقين كرروا مرارًا توجه وزارتهم نحو إعطاء مزيد من الصلاحيات للمديريات الصحية، بل وشكل بعضهم فرقًا لذلك. لكن الخطأ الإستراتيجي الذي تكرره وزارة الصحة هو إيكالها مهام الإصلاح إلى فرق أو أشخاص من داخل الجهاز التنفيذي للوزارة، وهذا يجعل خطواتها بطيئة وغير واضحة ومنقوصة في حالات كثيرة. نحسن الظن بكفاءة الأشخاص في مهامهم البيروقراطية ولكن عدم تفرغهم لذلك وعدم استقلاليتهم عن الجهاز التنفيذي للوزارة وتداخل مصالحهم الشخصية والإدارية مع مسؤولي الوزارة والمناطق الصحية أخيرًا لأن خبراتهم الطويلة داخل رحم النظام الحالي تؤثر على رؤيتهم لنظام جديد مختلف فإنهم لم يجيدوا تنفيذ هذه المهمة.
إذا كانت وزارة الصحة جادة في هذا الأمر فعليها إيكال الأمر إلى لجان وفرق مستقلة ومن خارج قطاع الوزارة لديها خبرة في الجوانب التنظيمية والقانونية والمالية تعود للوزير مباشرة ليقر أعمالها، فقط، بينما بقية المعنيين الموظفين بوزارة الصحة يجب ألا يتجاوز دورهم توفير المعلومات المطلوبة.