في طريقي مع صديق لحضور الأمسية الثقافية للشاعر والكاتب إبراهيم نصرالله، كنا نناقش هل ستجلي هذه الأمسية بعض غبار الكسل عن المهاجرين والمقيمين العرب بالعاصمة الكندية، فنرى نشاطاً ثقافياً موسمياً يعيد لنا بعض سيرة الأدب - الثقافة المهجرية في أمريكا، شمالها وجنوبها، أو في العواصم الأوربية الكبرى؟
في العاصمة الكندية أصبحت اللغة العربية الثانية تحدثاً بعد الإنجليزية رغم كون الفرنسية هي اللغة الرسمية الثانية لكندا، وذلك دليل كثرة المهاجرين العرب بهذه العاصمة وغيرها من المدن الكندية الكبرى. رغم ذلك فوجئنا بالأمسية، الوحيدة تقريباً طيلة عام كامل، يحضرها نفر قليل، غاب عنهم جيل الشباب الصغار. وحتى مكان الأمسية كان في قبو مؤسسة دينية تبرعت لهم بالمكان المتواضع للأمسية، بدلاً من أن تحتضنه سفارة عربية أو مقر ثقافي لائق...
لست أدري هل الظاهرة منتشرة كذلك في بلدان أخرى، أم أنها تخص المهاجرين والمقيمين بكندا؟ أعني ظاهرة الكسل وعدم الرغبة أو الحماس لأي فعل ثقافي عربي بارز. ربما أنّ الجميع - العرب - وصل إلى كندا متعب من معاشه ومن ثقافته ومن لغته. المجتمع الكندي يمثل بانورما عالمية من المهاجرين، تجد الحي الصيني ومثله اللاتيني والإيطالي، لكنك لا تجد الحي العربي أو الشارع العربي، رغم أنّ أعدادهم أضعاف بعض الجاليات الأخرى التي تجد لها هويتها داخل المدينة. السعودي يصادق المصري عندما لا يجد السعوديين حوله، والمصري لا يصاحب الفلسطيني حينما يجد المصريين حوله، وهكذا لا تجدهم حول بعض في فعل منظم إلا في حالة الحاجة أو المصالح المادية الفردية البحتة.
هل يحق لنا لوم الجالية العربية المقيمة ونحن نعلم أنّ هجرة كثير منهم أتت بعد تعب وضنى، وبأنّ كثيراً منهم يرضى بأعمال أقل من مؤهلاته وقدراته، بل وقد يعيش معتمداً على المعونات الحكومية الكندية، لأجل الهروب من واقعه أو الحلم بواقع أفضل لأولاده؟ ماذا عن السفارات العربية؟ لماذا تغيب عنها النشاطات الثقافية ودعم العمل الثقافي العربي بالجامعات الكندية ودعم المثقف العربي ليتواجد في فضاء الثقافة الكندية ونشاطاتها المختلفة؟ هل يدرك السفراء العرب بأنّ لهم رسالة ثقافية تدعم سياسات بلادهم الناعمة، أم أنهم مجرّد موظفي مكاتب تقليديين، يأتون ويغادرون دون أن يشعر بوجودهم أحد ودون أن يكون لهم بصمة في عاصمة المهاجرين الكبرى؟
البعض قد يتهمنا بأننا نحلم بماض كنا نقرأ عنه يتمثل في أدب وثقافة المهجر، بينما الواقع هو غياب الفعل الثقافي العربي التقليدي الذي نتخيله، بصفة عامة لأسباب يطول شرحها، وهذا زمن ثقافة (الميديا) الصورة الترفيهية المتمثلة في ستار أكاديمي وعرب أيدل ومثيلاتها من مكونات الثقافة. بدليل أن حضور مطرب مبتدئ يكرر أغاني الآخرين كمحمد عساف إلى أوتاوا ملأ المسرح بألفي مشاهد وأكثر لم يترددوا في دفع ثمن تذاكر الحفل المرتفعة الثمن!
والبعض يرى أن العرب في الغربة - سفراء ومهاجرين - في منتهى الوهن إلى درجة الخوف من تنظيم حتى محاضرة أو فعالية، فيختلفون حولها أو يسيء فهمهم الآخرون. أصبح البعض يخاف حتى إعلان انتمائه لهذا العالم المسمى العربي!
أمثالي في هذه البلاد إما زائرون أو مؤقت وجودهم لكن الحديث يتعلق بأجيال قادمة، بالذات المنتمية للجيل الثاني وما بعده من المهاجرين. هذه الأجيال القادمة تنشأ في ظل غياب لأي فعل ثقافي عربي حقيقي في محيطها، بدلاً من تنشئتها لتكون همزة وصل لنقل ثقافة ولغة وهويات عربية إلى أقطار العالم، ومنها كندا. وأخشى أنها ستعاتبنا في المستقبل على هذا القصور...