كشفت دراسة تحليلية نفسية، أعدتها حملة «السكينة»، حول مقطع فيديو، يظهر عناصر من تنظيم داعش، وفي قبضتهم عناصر من جبهة النصرة - التنظيم المنافس لداعش -، إذ تفنن مقاتلو داعش في إذلال مقاتلي النصرة،
من خلال إخضاعهم في حلقة دائرية في أحد سجون التنظيم الإرهابي، وجعلوهم يصفعون بعضهم بعضاً، مرددين بعض العبارات البغيضة، وسياط التعذيب تشتد على أجساد عناصر النصرة.
هذا المشهد المهين، ومئات المشاهد من التعذيب، والإذلال، والتشفي بالقتل، واللعب بالرؤوس، والأجساد، تُعطي دلالات واضحة على الخروج على الشريعة الإسلامية، وأحكامها، كونها منافية لكل خلق قرآني؛ حتى مع الأعداء. الأمر الذي جعل من حملة «السكينة»، وعلى موقعها في الشبكة العنكبوتية، تلخص هذه المشاهد السادية، وغيرها في ضعف الشخصية، وشعور بالنقص، والدونية، إذ إن الشخصية المكتملة الواثقة لا تجنح إلى التعبير بالتعذيب، والإهانة، والإذلال.. باعتبار أن الشخصية الداعشية الناقصة، تحاول ملء هذه الفراغات بالتعويض في ظهور الألم لدى الآخرين, الذين هم في وضع ضعيف تحت أيديهم، فالسلاح الذي بأيديهم ليس علامة قوة، إنما أكسبهم سلطة - جسدية حسية وقتية -.
وأوضحت الدراسة أن الواقع الشخصي لهؤلاء مضطرب، ومؤلم، وقاسٍ، إذ إن ممارسة لذة التعذيب، وتشويه الأجساد، تعود لأشخاص قادمين في الغالب من تراكمات بيئية، واجتماعية مؤلمة، وقاسية جعلتهم مضطربين، فإما أن يميلوا إلى العزلة، والانهيار، وإما إلى العنف المبالغ؛ لأن هذه النوعيات غير ملتزمة بأية قيمة من القيم، التي تؤسس لوجود بشري مُنتِج، وناجح، ولا يمكن أن تقوم عليهم تنمية، أو حضارة، أو أن يستقيم لهم استقرار، فهم لا يلتزمون بدين، ولا قيم، ولا قوانين، ولا أعراف، ولا أي حد بشري، أو فطري، أو عاطفي، بعد أن خرجوا من دائرة الضبط البشري إلى دوائر التيه الفوضوية، فأصبحت رغباتهم تقودهم.
وتوضح الدراسة: في حين أن هؤلاء لا يملكون الحد الأدنى من القيم، لذلك تكثر بينهم التصفيات، والشك، وسوء الظن، وعدم الثقة؛ لأنهم لا يمتلكون الثقة الذاتية، هذا في ما بينهم في الجماعة الواحدة، فكيف مع الآخرين المخالفين؟.. وهذا ما يفسر تعامل تنظيم داعش العنصري ضد بعض الجنسيات، ومحاولة إذلالهم، ووضعهم في محك امتحان دائم، فعلى سبيل المثال: تجد أن الجنسيات الخليجية، والأردنية، محل تهمة مهما أبدوا مناصرة لهم، وفي المقابل، تجدهم يستخدمون بعض الجنسيات الآسيوية في أعمال التنظيف، والغسيل، أما الفئتان - المغاربية والتونسية - فيضحون بهما في حرب عصابات المدن، ومن يحمل الجنسية العراقية، فمحله ارتياد مواقع الرئاسة، والإمارة، - وبالتالي - فإن هذه التوليفة لا يمكن أن تقوم عليها دولة، ولا حضارة، فهي مهيأة بشكل قوي؛ لتقضي على نفسها من الداخل.
الإشارة إلى ضعف التدين، والورع، وظهور نزعة الانحلال الديني التي يحاولون تغطيتها بأوصاف دينية، مع تضخم الشهوات لديهم، هي سمات مشتركة بين أعضاء التنظيم، فما يفعلونه - بمن يسمونهن - الأسيرات، والسبايا، وفتح الأسواق، والمزادات عليهن، وتعريضهن للاغتصاب، والتلاعب، جزء من شهوانيتهم الطاغية.. بَيْد أن النفوس السوية المستقيمة تترفّع عن مثل هذه الأفعال، التي تخالف الدين، والخلق، والشهامة، والعقل الصحيح، والفطرة السليمة.. - ومثل ذلك - شهوة جمع المال، وجعله هدفاً، وليس وسيلة، إذ إن مفاوضات تنظيم داعش مع بعض الجماعات، قائمة على الابتزاز المالي، والذي يأتي على رأس أجندتهم؛ للإغراء، ومبايعة البغدادي.. ومن الضروري - أيضاً - الإشارة إلى شهوة الشهرة، وتلميع الذات، فالأجيال السابقة من المقاتلين مع ما لديهم من غلو، ومخالفات، وانحرافات، إلا أنهم يميلون إلى أدبيات، وضوابط، تمنعهم من تصوير المقاطع، وبثها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بخلاف هؤلاء الذين يتمتعون بكثافة في الاستعراض، وحب الظهور، ويعيشون حالاً ضخمة من الوهم المسيطر على عقولهم، والذي يتلخص في وهم الخلافة، ووهم السلطة، ووهم القوة.
في المقابل، فإن البيعات المتناثرة للبغدادي من فصائل منشقة من بعض التنظيمات، والجماعات، ساهمت في تكريس صورة من صور الوهم؛ لأنهم يبايعون مجهولاً عبر وسطاء، وسماسرة معروفين لدى الجماعات بعدم الثقة؛ لكنهم يجيدون تسويق الوهم، ويستغلون تهالك تنظيم القاعدة، والتنظيمات التي انشقت عنه.. مع أن الحديث عن الضعف، والوهم، لا يعني أن تنظيمي - داعش والنصرة -، أو غيرهما من مجموعات مقاتلة، لا تمتلك قوة على أرض الواقع، أو في عالم الإنترنت، بل لديهم قوى؛ لكنها متذبذبة، والوهم - بحد ذاته - يُكسب قوة، وإن كانت وقتية؛ لكنها قوة دفع، وتحفيز.
أيضاً، فإن عبارات التهديد، والوعيد المُحمّلة بتراجيديا العنف، والتركيز على الألوان، والحركات، والخلفيات، والبيئة المحيطة، - كلها - تشير إلى وجود رسالة واحدة - فقط -، وهي رسالة تخويف، وترهيب مُستهلكة؛ لأنها - ببساطة - تحولت إلى مادة إعلامية بحتة، وليست رسالة ذات محتوى يصلح للتجنيد، أو توضيح موقف، أو نشر فكر، - وفي المقابل - فعند تحليل أعداد من المقاطع الصادرة عن أفراد بتصوير ذاتي، نجد الرسالة مختلفة، وهذا يكشف مدى عمق الهوة بين الإدارة، والمناصرين، أو أعضاء التنظيم، فأجندة القيادة تختلف عن أجندة الأتباع، الذين استقطبوهم لدى تنظيم داعش.
خلصت الدراسة إلى أن التنظيمات الأخرى، كانت أكثر تناغماً، وتقارباً، وإن كانت بدأت تتأثر بأسلوب تنظيم داعش.. كما أن التحليل، يشير إلى وجود فصام لدى هذه التنظيمات بين المحرك الأساس، والمؤثر في عالم الإنترنت، والأسلوب على أرض الواقع، - خصوصاً - عندما نستذكر قوة التناغم الفكري، والأسلوبي لدى الأجيال السابقة للتنظيمات المتطرفة بين الإنترنت، والواقع، إذ إن هذا الفصام يحتاج مزيداً من الدراسة، والعناية، بَيْد أن المخاطبين - اليوم - في الإنترنت، ليسوا مرتبطين بشكل قوي في الميدان - هذا بخصوص المنصات الرسمية -، أما المناصرون، والمهاجرون، فهم في الميدان؛ لكنهم يعيشون حالاً من العزلة.
صفوة القول: إن الدارس لتاريخ الإرهاب، سيلحظ أن مشهد الإجرام، والاتهامات المتبادلة بين داعش، والنصرة - أحد أفرع تنظيم القاعدة -، يحملان همّ استباحة الدماء، وقتل المدنيين المؤيدين لكلا الطرفين.. - وعليه - فعند الحديث عن تفكيك مشروع داعش، فإنه لا يقل أهمية عن تفكيك مشروع النصرة، الذي أحاط بهما الظلام من كل جانب، ودخلا في صراعات مع ذاتهما، ومع الآخرين، ثم عملتا على توفير غطاء لهذا الفكر التكفيري، وسحبتا البساط من تحت أقدام القوى السنية المعتدلة - في أكثر من مكان -.. - وبالتالي - فإن الحديث عن معالجة الفكر الداعشي، سيكون امتداداً لمعالجة الفكر القاعدي - في السابق -؛ حتى وإن تجاوزها في الانفلات في لغة التكفير، وفي سياسته الدموية الرعناء، فشوّه الجهاد، والإسلام، واستباح الدماء، والأموال، بل وكرّس المزيد من الصورة السلبية عن الإسلام، والمسلمين.