لا يولد الإرهاب إلا من رحم التطرف، فإن شئنا مطاردة الإرهاب في عقر داره فعلينا بتتبع أثر التطرف والإيقاع به أولاً. وقبل أن نسبغ على التطرف ثوباً مذهبياً علينا أن نعي جيداً أنه صنيعة يد سياسية، تهدف لتمزيق الأمة من الداخل، وأسر أبناء الوطن الواحد داخل معسكرات تحيطها أسلاك التوجس من الآخر ونبذه وإقصائه. ولم يجد القادة السياسيون (ممن يستهدف أمن الوطن) خيراً من بعض الدعاة لتمرير أجندتهم من خلال خطاب طائفي، يخفي أهدافه الدنيئة، ويغلفه بما ينبشه من الشاذ وغير المنقح من الموروث الديني! لتغيب الأهداف السياسية، وتظهر تقسيمات دينية تحت مسمى (تطرف شيعي وتطرف سني). وفي الحقيقة، الإسلام بريء منهما. فلولا وجود قوالب في الموروث الديني المتشدد لما وجدت الأجندات السياسية منفذاً سائغاً للتغلغل في الذاكرة المجتمعية. التخندق في رواق المذاهب وتكفير الآخر والتحريض ضده والدعوى لاستباحة دمه وعرضه وماله كانت مواد جيدة، استفاد منها المغرضون لهتك وحدتنا الوطنية. فما حصل في الدالوه من مجموعة استهدفت الشيعة، وما يحصل في العوامية من مجموعة تستهدف رجال الأمن، وتختلق قضايا تقسيم الوطن على أسس مذهبية، أو قضايا أخرى قشرية ذات ملمح عنصري طائفي محض.. هي أحد منتجات خطاب التطرف ذي العين العوراء، الذي لا ينظر للصالح العالم، بل يحتكر الخيرات لفئته فقط، بلا أدنى مبالاة بما سيؤول إليه مصير الجميع. ولكن حري بي أن أذكّر بدور المملكة في القضاء على الإرهاب دون النظر لمنبعه المذهبي، وبآليات يمكن أن تصبح درساً يُحتذى به، كما أذكّر ببروز بطل جديد في جبهة محاربة الإرهاب، ألا وهو الحس الوطني لدى السعوديين، الذي ظهر جلياً على أرض الدالوه حينما أفشل مخطط التفريق، واحتضن الحادثة بكل وعي وتفهم.
لهذا أرى أن الأرضية صالحة، وأنه بات من الضروري التركيز على مراجعة الموروث برعاية وطنية، على أن يتوسع جغرافياً ومذهبياً، ويرتفع فيه سقف النقاش إلى أبعد حد، وتتمخض منه قرارات نافذة، تبدأ من مراجعة الخطاب الديني على المنابر، ومنع الأصوات الطائفية من ارتقائها، ولا تنتهي بحلول أخرى، تضع نصب عينيها تجفيف منابع الإرهاب.