ماذا لو لم تعِ المرأة حقيقة كونها مُعنَّفة؟
هل كانت ستشعر الزوجة بالغبن من جراء إلحاق الزوج أذى جسمانياً «معتدلاً» بحجة الحفاظ على أدائها لمهامها، كأحد التقاليد السائدة في الولايات المتحدة قبل إلغائها بقوة القانون عام 1891؟
إن للعادات والتقاليد قوة في نفوس الواقعين في دائرتها والخاضعين لسلطانها، بحيث ينتفي معها الشعور بالغبن والقهر، بل إن وجوب الإذعان لها دون إعادة التفكير مرتين هو المتوقع على أي حال، ولربما يشعر المتجاوز للتقاليد بذلك الشعور العميق بتأنيب الضمير، ويشعر بأنه يستحق المعاقبة! سجلت الإحصاءات أن المرأة في القرى النائية والأوساط المنغلقة البعيدة عن التعليم والوعي أكثر تعرضاً للعنف من نظيرتها في المدن وفي الأوساط الأكثر تحضراً وتعليماً. إن أي عملية تعنيف بحاجة لاثنين: فاعل ومفعول به. ولولا وجود ضحية لما وُجد معتدٍ. لهذا، فإن من تسطيح مفهوم العنف حصره في الاعتداء الظاهر الذي يلحق أضراراً جسدية بالمرأة، يمكن أن تُرى رؤية العين.
هناك عنف أكثر خفاءً وتعقيداً.
يبدأ بغسيل الدماغ، وينتهي باستغلال المرأة عن طيب خاطر.. كيف؟
قبل الإجابة لنرجع لتعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة للعنف ضد النساء: «أي اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، الذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي، جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات، سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة». فإذا بحثنا عن صيغة للأذى الجسدي والنفسي المبني على أساس جنسي سنجده حاضراً في حالتين: زواج القاصرات وزواج المتعة. وهو يكثر في الأوساط التي ذكرتها، بدءًا بـ(أوساط منعزلة، مغلقة، قليلة التثقيف). والمفاجأة أن المرأة في هذه الأوساط لا تشعر غالباً بأنه يتم استغلال جسدها وإلحاق الضرر بنفسها أيضاً، بل ربما تجد من يدافعن عن الأمر دفاع المستميت، وهو ما سميته بغسيل الدماغ! إن أخطر أنواع التعنيف ذاك الناتج من التغرير وغسل الدماغ؛ لأن الضحية لا تعي موضع التعنيف، وقد تهيئ جسدها ونفسها بكل رضا للمُنتهِك دون أدنى رفض. وزواج المتعة تحديداً لما فيه من انسياق وراء شهوة ناشئة بين طرفين، يسوغها ويحرسها إذنٌ (ديني) و(عُرفي)؛ ما يجعل أضراره أكثر خفاءً، فهو علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا توثق بعقد قانوني، وليس لها شهود، ولا تحتاج لإشهار، ولا تحد بعدد، ولا تلحقها مسؤوليات ونفقات.. كل ما تتطلب (بالغَين، شهوة وأجر)؛ الأمر الذي يجعلها خياراً أسهل من أي علاقة أخرى، بل أسهل حتى من علاقة محرمة من ناحية تبعات الشعور بالذنب والعار! الآن، لنتخيل امرأة في الثلاثين ـ مثلاً ـ واتتها كل الظروف لزواج المتعة. كم رجلاً يمكنها أن تتزوجه منذ الثالثة عشرة، وهو سن البلوغ، حتى الثلاثين؟ أترك العد لك مع استثناء شهور العدة التي غالباً ما تتساهل بها النساء، وينص فتاوى بعضهم على حلية ألا يسأل الرجل متمتعته إن كانت معتدة أم لا! لنحسب الأضرار البيولوجية والنفسية على امرأة في ظرف مُتخيل كهذا (وهو ممكن بالطبع). أولاً: أضرار صحية، كسرطان عنق الرحم الذي يُعتبر تعدد الرجال أحد أهم أسبابه، وهو يصيب في الغالب شريحة فتيات الهوى. ثانياً: احتمالية إنجاب أبناء تحت احتمال الاعتراف بهم من قِبل والد في علاقة عابرة غير ملزم بعقد ولا شهود. ثالثاً: حرمان المرأة من علاقة دائمة، تنعم في ظلها بالأمن والرعاية في ظل عائلة تعيش تحت الضوء، بدلاً من علاقات متعددة، عابرة، وفي الخفاء، تزعزع أمانها الروحي، وتخلف أثراً نفسياً، يعرف بـ»متلازمة الشخص المنتهك». وهو اضطاب نفسي، يترك الضحية المتعرضة للانتهاك الجسدي والنفسي مضطرباً، عنيفاً، عاطفياً، ومشوشاً، وقد يرتكب جرائم كالقتل مثلاً.. وهي صفات المرأة التي يتم استغلالها جنسياً بامتياز. إن المرأة المعنفة (مغرَّر بها) أو
(مغتصبة) أو (مبُتزة) لن يمنع ذلك من ظهور الأضرار الجسدية والنفسية البالغة عليها. الآن، ما ينطبق على زواج القاصرات وزواج المتعة هل ينطبق أيضاً على (المسيار، المصياف، زواج ويكند وزواج فرند..) ما رأيك؟