الشيء بالشيء يذكر. النقل التأديبي لثلاثة من منسوبي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الطائف إلى نجران وجازان ذكَّرني بنقل تأديبي آخر حصل في المجال الطبي قبل عقود. كنت أعمل آنذاك في المستشفى المركزي (مجمع الملك سعود الطبي حالياً). يبدو أن الأخطاء الطبية تكررت من أحد الأطباء المتعاقدين في إحدى المدن الصغيرة البعيدة عن الرياض؛ فصدر أمر بنقله تأديبياً إلى الرياض، مع شرح على أمر النقل التأديبي بأن الهدف وضع هذا الطبيب تحت الإشراف المباشر للشؤون الصحية. الزملاء من الأطباء الأجانب كانوا يتندرون على ذلك القرار التأديبي بالنصح المتبادل على ارتكاب بعض الأخطاء البسيطة من آن لآخر؛ ليضمنوا البقاء في الرياض؛ لأنه من المحتمل لمن يخلو سجله من الأخطاء أن يتم نقله تأديبياً إلى منطقة نائية.
الموضوع بالطبع كان حالة فردية، لكن الذاكرة القديمة استعادته للمقارنة بأمر النقل التأديبي للأعضاء الثلاثة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الطائف، واحد منهم إلى جازان، واثنين إلى نجران لمواصلة العمل هناك. الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذكرت أيضاً أن ما حدث في الطائف في يوم الثلاثاء 24-2-1436هـ كان تصرفاً فردياً؛ لا يمثل الرئاسة ومنسوبيها؛ ولذلك أقول: إن الشيء بالشيء يُذكر.
ما الذي حدث في الطائف من الرجال الثلاثة العاملين هناك في الهيئة؟ حسب الخبر المنشور في الصحافة المحلية، توصلت لجنة تحقيق ثانية بعد الأولى، شكَّلها الرئيس العام الدكتور عبداللطيف آل الشيخ تحرياً للدقة، إلى الآتي:
ما تم تداوله على مقطع الفيديو عن الحادثة كان صحيحاً. قامت دورية تابعة لمركز هيئة الحوية مكونة من ثلاثة رجال بإيقاف حافلة تقل إحدى وعشرين طالبة في طريقهن للجامعة. تم إركاب سائق الحافلة في سيارة الهيئة، وناب عنه أحد أعضاء الهيئة في قيادتها إلى مركز الهيئة. هناك أخرج رجال الهيئة الطالبات من الحافلة إلى الشارع، وأخذوا منهن هواتفهن الخاصة، واصطحبوا سائق الحافلة إلى داخل المركز، والطالبات بقين في الشارع. لجنة التحقيق الثانية توصلت إلى وجود تناقض كبير وكذب في إفادات رجال الهيئة الثلاثة المعطاة للجنة التحقيق الأولى. إفادات الطالبات عن الحادثة كانت صحيحة حسب تأكد اللجنة الثانية.
انتهى.
مَنْ يقرأ مجريات الحادث والتحقيقات بهدوء يجب أن يبحث عن إجابات مقنعة عن الأسئلة الصغيرة الآتية:
- لماذا قام أعضاء الهيئة بإيقاف الحافلة؟ محضر التحقيق لم يشر إلى ذلك، على الأقل في الأخبار الصحفية المنشورة. أعتقد أن الناس يريدون معرفة السبب لتفهم الموقف والتصرف من الناحية الشرعية والحقوقية.
- لماذا قام أحد أعضاء الهيئة بقيادة الحافلة وفيها إحدى وعشرين طالبة، دون الاكتفاء بالمرافقة إلى جانب السائق المخول بقيادة الحافلة وتوجيهه إلى المركز.
- لماذا وبأي تبرير تم الاستيلاء على هواتف الطالبات وحرمانهن من الاتصال بذويهن لإعادتهن إلى البيوت أو توصيلهن إلى الجامعة؟
- لماذا تم إنزال الطالبات من ستر الحافلة إلى انكشاف الانتشار في الشارع؛ ما تسبب في الصراخ والفوضى وإثارة الهلع؟
انتهت الأسلة الصغرى.
ولكن يبقى السؤال الكبير: ما ذنب نجران وجازان في تحمُّل توجيهات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستقبلاً من ثلاثة رجال ثبت بالتحقيق أنهم أخطؤوا، وأنهم تصرفوا بدون علم المرجع المباشر لهم، وكذبوا في الإفادات مع لجنة التحقيق الأولى؟ هل المقصود تأديب الأعضاء المخطئين أم امتحان صبر المواطنين في نجران وجازان؟ وأظن أن هذا السؤال يُتداوَل على نطاق واسع بين الأهالي هناك، مثل سؤال المليون.