المصالحة التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله بين الشقيقة قطر والشقيقة مصر هي استمرار لجهود خادم الحرمين الشريفين في رأب الصدع وتوحيد الصف العربي وإعادة بناء العلاقات العربية- العربية.
وليس مستغربا تلك الجهود التي عمل ويعمل عليها الملك عبدالله لسنوات طويلة، وهي تصب في إطار السياسة الخارجية للمملكة التي وضعها الملك عبدالعزيز وسار عليها ملوك الدولة السعودية إلى عهد خادم الحرمين الشريفين..
وخلال السنوات الماضية كان لجهود المملكة تأثير كبير في جمع الشتات العربي الذي حل بالأمة العربية بعد ما أسمي بمصطلح الربيع العربي، فقد تصدعت العلاقات العربية ووصلت إلى أدنى مستويات التوافق العربي، وكان النظام العربي على وشك الانهيار، بما كان سيرافقه من تداعيات خطيرة على مجمل قضايا الأمة العربية، ولكن كتب الله أن تعمل المملكة برؤية سديدة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله على إعادة بناء النظام العربي بمفهومه السياسي والأمني، وكانت كلمات الملك عبدالله ولقاءاته وتوجيهاته أكبر الأثر في استعادة الأمة العربية لزمام المبادرة في تطويق الخلافات والتوجه نحو استقرار وأمن عربي جديد..
نستذكر أدوار المملكة في توحيد الصف الأفغاني للمقاتلين المتناحرين الأفغان، وجمع الصف الفلسطيني للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية والفصائل الصومالية والأطراف اليمنية واستضافة المملكة لهم، وهناك أدوار أخرى لمصالحات سابقة لسوريا وليبيا والسودان وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وهذا نهج سعودي أصيل تسعى له المملكة كواجب سياسي ديني إقليمي تنتهجه لدعم وحدة الأمتين العربية والإسلامية.
وكان آخر هذه الجهود استعادة الشقيقة قطر إلى مسار مجلس التعاون الخليجي التي كانت فاعلة دائما في توحيد الصف الخليجي، وكان اجتماع المصالحة بين الشقيقة قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين هو البداية الحقيقية - والذي استضافه الملك عبدالله بن عبدالعزيز بجهود مشكورة من الشيخ صباح أمير دولة الكويت الشقيقة - لمسار تصالحي عربي واسع.. وهانحن الآن نقف على مشارف تصالح حقيقي بين الشقيقتين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، والحضور الأخير لمعالي سكرتير خادم الحرمين الشريفين رئيس الديوان الملكي خالد التويجري إلى القاهرة مع ممثل الشيخ تميم أمير قطر يشير إلى بداية جادة لهذا النهج التصالحي الذي ترعاه المملكة وتحرص عليه..
لقد كان ولا يزال مجلس التعاون الخليجي هو صمام الأمان للأمة العربية فبوحدته تتوحد الأمة وبتفرقته وشتاته تتشتت الأمة العربية، ولهذا فقد كانت وحدة الصف الخليجي هي بداية مسار العلاقات التصالحية بين الأشقاء العرب. ولقد سعدت الأمة العربية باستعادة مصر قوتها ومكانتها في الأمة العربية بعد أن كانت تحت مؤامرة كبرى اشتركت فيها دول كبرى وأحزاب إخوانية من أجل تقسيم مصر ومصادرة مكانتها على الساحة السياسية في المنطقة، والجميع يذكر الدعم التاريخي من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للرئيس عبدالفتاح السيسي في لحظات حرجة جدا للنظام المصري، مما ساعد على تماسك مصر وتقوية شوكتها ضد أعدائها في الداخل والخارج. ووقوف المملكة إلى جانب مصر هو مسار تاريخي مهم هيأ لعودة مصر قوية بمكانتها في قلب الوطن العربي، وتلى ذلك دعم خليجي كبير من الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت عزز المكانة السياسية والاقتصادية لمصر كنظام سياسي واقتصادي..
شتان بين نظرتنا إلى الواقع العربي قبل أشهر وخلال الأعوام الماضية وبين الواقع العربي اليوم، فقد كانت الدول العربية في حالة شتات وتفرقة واختلافات كبيرة وتناحرات إعلامية ومؤمرات خطيرة ضد بعضها البعض، أما اليوم فإن الأمور تتجه إلى الوضع الطبيعي نحو مزيد من التنسيق والتعاون والعمل المشترك.. صحيح أن أوضاعا صعبة وخطيرة لا تزال موجودة وتستنزف الجسد العربي في سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال، ولكن يظل التوافق العربي العام والتنسيق السياسي يمكن أن يتجه إلى هذه البقع النازفة والدماء السائلة في محاولة لوضع نهايات سياسية مناسبة بالتنسيق مع دول كبرى ذات علاقة ومصالح في المنطقة. لقد تم إغلاق ملف مصر وتونس كدول كانت مرشحة للدخول في حروب أهلية، ونحمد الله أن من على هاتين الدولتين بالاستقرار والثبات والأمن الذي كان يحتاجانه طيلة السنوات الأربع الماضية. ونحن على أعتاب مرحلة جديدة ستثمر بحول الله في دعم الصف العربي وتوحيد الجهود في إطفاء الحرائق التي تشتعل في عدد من الدول العربية، وكانت جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز تصب في مسار تصالحي يمكن النظام العربي من استعادة توازنه ومبادراته نحو الشروع والإسهام الحقيقي لحل الخلافات والنزعات الطائفية والحزبية في المنطقة..