تنتشر في أوساط التشكيليين الشباب ممن وجدوا في الاتجاهات الحديثة للفن انجذاباً مع ما يملى عليهم من الخارج وتقبلهم لثقافة التغريب أو من الهاربين من المسار الحقيقي لبناء العمل الفني واللجوء إلى العبث التشكيلي باسم الحداثة.
هؤلاء بما لبسوه من الأردية المستورة في فنهم يرون أن من كان قبلهم قد انتهت صلاحيته فهم يصفون الأجيال المؤسسة للفن التشكيلي بعبارة (الديناصورات) وجيل (بيكاسو ودافنشي) وأصحاب الانتماء (الرجعي). بدأ بمن اهتموا بالبيئة أو التوثيق أو الأساليب التسجيلية للواقع مجتمع أو طبيعة أو من أحدثوا تطويراً في أساليبهم مع الإمساك بعصاً الإبداع من وسطها بالاستجابة لتطور الفنون دون التخلي عن الأسس أو الأصول التي تشكل الهوية.
هذه الفئة من الشباب خصوصاً متبعي الفنون المنحرفة عن مسار تأكيد الهوية الفنية المنبثقة من قيم وتقاليد ومن البيئة والتراث الوطني، لا تحمل هم حمل مسؤولية الفن الذي يمثل الوطن بقيمه وأصالته وتراثه وكل تفاصيله فلا هم لها إلا إثارة الجمهور بما يقدمونه من أعمال دس فيها سم الفكر الآخر بدسم سبل التنفيذ لكسب ردود الفعل والنشوة بما يتلقونه من مقت واستهجان المتلقي، ومع ما برز من هذا التوجه الذي كاد أن يكون ظاهرة، فقد جوبه بمواقف مضادة وبما يمتلكه من سبقوهم أو من يعون دور إبداعهم في تمثيل مجتمعاتهم فتلاشى الكثير منهم واستطاع الأذكياء الانفصال عن فكر من كان يقودهم أو يجرهم إلى مسار ينتهي بهم إلى التهميش من قبل متذوقي الفنون الأصيلة.
هذا العداء الذي يكنه مثل أولئك أو من يتبعهم للفنانين أصحاب الحضور المبكر والمؤسس للفن التشكيلي والمنطلقين من انتماء تام للوطن بكل ما تعنيه الكلمة فأصبحت بها إبداعاتهم حاضرة في أذهان الكثير من الجمهور أو المسؤولين ولا زال أصحابها حاضرين في كل مشروع تجميل يحظون بالتقدير والاحترام لخبراتهم وأساليبهم، في الوقت الذي لا نرى فيه لهؤلاء إلا ما يعد عبثاً تشكيلياً ينتهي إلى حاويات الزبالة أو أسطح منازلهم.
ومن المؤسف أن يصل هؤلاء إلى هذا المستوى من تردي الوعي وفقد لثقافة الفنون وتاريخها، ما يؤكد تبعيتهم للآخر وهم مغمضو الأعين والعقول، تحجبهم عن ما يتم من اهتمام الفنانين المؤسسين في الدول التي جاءت منها ريح التغيير التي لوت أيديهم وفكرهم تجاه الأسوأ من الفنون (الفنون الوقتية سريعة الذوبان) التي لا تبقي لها أثر بعد عرضها أو أنها تثير الاشمئزاز لمساسها بأمور كثيرة لا مجال لذكرها وهم يعلمونها.
تلك الدول التي جعلت من متاحفها حضناً للأعمال التي أبدعها أوائل الفنانين فأصبحت مزار وواجهة ثقافة إبداعية للسياح وللجمهور، يحرصون على اصطحاب أبنائهم إلى تلك المتاحف ليعرفوهم على تاريخ فنونهم وأصالتها.
أعود لأقول للساعين لإزاحة من قبلهم أن من ليس له ماض ليس له حاضر وأن ما قدمه أولئك المؤسسين أبقى من خزعبلات من يدعي فهم الفن الحديث الأصيل الذي تعود أصوله إلى الماضي، وأضيف أن هؤلاء يشبهون ما حدث للغراب الذي غير مشيته.