يُروى قديماً أن النساء يتجنبنّ المرور بجوار الرجال مباشرة في الشوارع والطرقات حتى عهد قريب، لدرجة أن آثار (اللبن) و(الجص الأبيض) تبدو واضحة على عباءة المرأة المحتشمة بسبب - التصاقها - بالجدار المطلي بخامٌ كبريتات الكالسيوم المائيّ الطبيعيّ المتبلْور، والذي يُجبس به العظم المكسور أيضاً!
لذلك تُعامل المرأة في ذاك الزمن - معاملةً خاصة - بحيث أنها مُقدَّمة على كل الرجال في الخدمة، لتكون لها الأولوية فيما يخص قضاء حوائجها ومصالحها الرسمية واليومية، سواء في الدوائر الرسمية أو حتى في الدكان، أو المخبز لمبررات مختلفة، فهناك من يرى المرأة (عورة) ويجب سترها، بسرعة حصولها على ما تريد وما خرجت من أجله لتعود لمنزلها، وهناك من يراها تستحق المساعدة كونها (مكسورة جناح) مع غياب عائلها أو زوجها، في وقت يوصف فيه (الرجال بأنهم رجال) فلا تراخي ولا تواني عن تحقيق وتلبية مطالب نساء الزمن الجميل وخدمتهنّ!
بالطبع كان هناك من يستغل طيبة وشهامة ومروءة المجتمع ويُكلّف (زوجته أو أمه) بالمراجعة نيابة عنه للحصول على - خدمة أسرع - عند طوابير (صهاريج مياه الشرب) مثلاً، أو حتى للحصول على (مقعد طائرة) في كاونتر الانتظار.. وما شابه ذلك!
أما اليوم فالمسألة مختلفة تماماً، حيث يبدو أن معظم الرجال هم من يحتاجون مراجعة موقعهم من النساء في الشوارع والطرقات، حتى لا يعرضوا أنفسهم للخطر أو الاستعانة (بالجص) لأي سبب أو طارئ، بالطبع لا نريد النوع الأول من النساء، ولا نريد النوع الثاني كذلك؟!
أنا هنا لا أتحدث عن مزاحمة النساء للرجال، ولا عن تبرج أو خروج المرأة ...إلخ، بل أتحدث عن صورة مشابهة لحيلة بعض (رجال ذلك العصر)، حيث إنه مع دعوات المساواة، والمطالبة بالحقوق النسائية المهدرة، ما زال هناك نساء يتوقّعن وينتظرنّ خدمة خاصة، مشابهة لخدمة صاحبة (عباءة الجص)، وهذا يتضح مع عدم التزام بعض النساء (بتراتبية الأدوار) أو أرقام الخدمة، عند قضاء بعض المصالح في المطارات ونحوه، وهو أمر يدعو للعجب!
من عجائب هذه الفلسفة النسائية أن المرأة تنادي بالحصول على مكاسب وأدوار أكثر وأكبر في المجتمع السعودي، ولكنها تتمسك وتقاتل للحفاظ على مميزاتها في هذا المجتمع، وهو أمر يصعب فهمه؟!
وعلى دروب الخير نلتقي.