الصوت نوع من الطاقة، وكل طاقة قادرة على الانتقال مسافات بعيدة.. وإذا قارنا طاقة الكهرباء والضوء بالصوت فإن الصوت يتحرك ببطء في حين يعبر الضوء والكهرباء المسافات في لمح البصر.. الصوت يكون أسرع في المواد الصلبة، ويكون أبطأ عندما
يتحرك في الهواء الخفيف الموجود في الأجواء العليا.. ويرى الدكتور مصطفى محمود أن الصيحة التي أماتت قوم ثمود وقوم صالح، وعُذّب بها قوم لوط وغيرهم، هي موجات فوق صوتية ذات طاقة عظيمة بقدر عظمة مسببها والآمر بها (سبحانه وتعالى)، وأنه إذا كان الإنسان الضعيف قد استطاع إحداث ذبذبات فوق صوتية تقتل الميكروبات وتهدم الخلايا وتميت الحيوانات الصغيرة فإن الذبذبات التي يحدثها الخالق (سبحانه وتعالى) قادرة على إماتة آلاف البشر في لحظات.. لذا ورد لفظ الصيحة في الكتاب الحكيم 13 مرة. فهل مفهومنا للصوت يقتصر فقط على الأصوات المحسوسة.. أصوات الأجسام.. والأشياء.. والمخلوقات..؟ أم أنه يمتد إلى ما سواها من الأصوات؟
ذهب من ذهب إلى وجود صوت للنفس.. صوت للعقل.. صوت للقلب.. صوت للأموات.. صوت للماضي والحاضر والمستقبل.. صوت للحق والحب والكره والباطل.. وأصوات عدة نشعر بها ولا يدركها السمع.. أرى أنها أكثر الأصوات أهمية، وبالتالي منحها حيزاً من البحث والدراسة الدقيقة.
لعل الصوت الذي لا نحتمله ونقف أمامه عاجزين صوت (الغيرة)، وقد تعرت في ملامح صاحبها وبين قسمات بصره الحاد وارتجاف شفتيه وكفيه، في أحايين كثيرة نبحث عن صوتها (إذا خفت) لدى من نحب ويعنينا شأنه.. وفي أحايين أكثر نفرّ منها خائفين وجلين مرتابين مما قد يترتب عليها.. على الغيرة من نتائج محزنة..
صوت الغيرة قاتل.. مدمر.. وفلسفته ضرورية؛ كي ننتشل الغيرة من العتمة ونشعل لها ضوءاً ساطعاً مشعاً، مثله مثل كل صوت ينبغي لنا فلسفته أسوة بفلاسفة الغرب.. الصوت الذي لا يصدر ذبذبات حسيّة قد يكون أشد وقعاً في النفس وأبقى أثراً.. بل هو كذلك. صوت الفن السابع الذي أجد أن تعبير صوت الحركة فيه أكثر دلالة من الصوت الحسي.. ويؤكد ذلك الأفلام الصامتة التي عرفت قديماً ويقام لها مهرجان في (بون).. هدأ فيها صوت الممثل وظهر صوت الحدث واللقطة.. وإلا كيف يمكن للأصم أن يستمتع إن لم نبتكر له صوتاً بديلاً لا يحاكي السمع الذي قد حرم منه أصلاً.. والفن التشكيلي أو فن الكاريكاتير بالتحديد استطاع أن يبتكر له صوتاً لا تخلو منه صحيفة أو مجلة سيارة.. وقد يخلو الرسم الكاريكاتيري من تعليق؛ إذ تكتفي اللقطة بإيصال الرسالة بصوتها الخاص.. ونترقب النتيجة ورد فعل الجهة المعنية.. هذا إن وصلها الصوت بذبذباته الصحيحة دون محاولة تشويه تلك الذبذبات أو بتر شيء منها..!!