ورد في حكم وقصص الصين القديمة أن ملكاً أراد مكافأة أحد مواطنيه فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيراً على قدميك. سُرَّ الرجل، وفرح في جنون، وبدأ في السير مسافات طويلة وطويلة حتى تعب وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها، لكنه غير رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل على المزيد.
سار مسافات أطول وأطول ثم فكر في أن يعود للملك مكتفياً بما وصل إليه، لكنه تردد مرة أخرى وقرر مواصلة السير؛ ليحصل على المزيد ومزيد المزيد. ظل الرجل يسير ويسير، ولم يعد أبداً؛َ فقد ضل طريقه، وضاع في الحياة. وفي رواية أنه وقع صريعاً من جراء الإنهاك والتعب.
طمع تولَّد عنه إقبال لا حد له ولا سقف، ترتب عليه نهاية وهلاك الطامع.
الطموح بلا سقف؛ بالتالي يفترض علينا وضع سقف لطموحاتنا، وحد لتطلعاتنا من أنفسنا ومع أنفسنا، أو مع الحياة والناس. الطموح سمته التجدد لكنه، مع العقلاء، أبعد ما يكون عن الطمع، أو أن يكون بلا سقف.
الطموح هدف يصل إليه المرء، ويكتفي راضياً، ويبقى في محيطه يطور منه ويجدده ويتجدد. بينما الطمع بلا حد، وبعيد عن الاكتفاء وعدم الرضا؛ بالتالي ينتهي بصاحبه إلى الشقاء وإلى الانهيار والتراجع وخسارة الذي في يده.
ما نراه على مستوى الدول ومستوى الشعوب وعلى مستوى الأفراد أيضاً هو طمع يتنامى ويكبر ويتضخم، يوشك أن يصبح قنبلة موقوتة تدمر الطامع والذي طمع به!! إذ إن مصدر الطمع هو تمركُز الإنسان حول نَفْسه.
فنَفْس الإنسان العادي ورغباته واحتياجاته هي مركز حياته، وجميع الأشياء تدور حول هذا المركز وضمن هذا الفَلَك؛ إذ من الصعب وجود إنسان لا يكون طماعاً وإن بنسبة بسيطة. غريزة حب البقاء والخوف من الفناء دافع الإنسان إلى الطمع وعدم الشعور بالاكتفاء بما يملك؛ فهي حالة نفسية يعيشها الشخص، ويعاني حتى يستطيع الخروج منها.
الطمع يدفع الشخص إلى الإقبال على ما هو له ويوافق إمكانياته وقدراته في الحياة، والإقبال على ما هو ليس له وفوق إمكانياته وقدراته شاعراً بأنها جميعها حق له وحده دون غيره؛ بالتالي لا مكان للاكتفاء لديه، ولن يُعرض عن أي شيء لا يستطيعه؛ لأنه لا يشعر بعدم استطاعته له!!
الطمع عاطفة سلبية، تؤثر سلباً على النجاح وعلى تركيز الذهن، وتعيق قدرة الفرد عن اختيار الحسن من الأمور؛ فيخرج من الحياة كما دخل إليها خالياً معدماً؛ ذلك لأنه “مصارع الرجال تحت بروق الطمع”، وواقع الدول والشعوب خير مدلل على ذلك.