(1)
أقرأ للدكتور عبدالرحمن بدوي، وأقرأ عن الدكتور عبد الرحمن بدوي، فأجد فيما أقرأ له وعنه فلسفة فكر، وفلسفة تعامل. فيلسوف آثر البعد، العزلة، الانكباب على الكتب بحثاً، وتمحيصاً،
قراءة وارتواء، فتل ونقض. وقع في معارك عدة مع فلاسفة، وأدباء، ومفكرين.. خرجنا من المعارك بتصور لا بأس به عن شخصية الفيلسوف المتفلسف د. بدوي.
(2)
تناول بصحبة (د. سعيد اللاوندي) فنجان قهوة في مقهى باريسي. ما إن انتهى من تناول قهوته حتى ترك أمام د. سعيد ثمن فنجان الفنجان الذي تناوله!!
قال له د. سعيد: تصورتك يا أستاذ بدوي ستدفع لي ثمن قهوتي معك!!
فقال د. بدوي في شبه غضب: كل واحد يدفع ثمن قهوته.
قال د. سعيد: يبدو أنك بخيل مثل صديقك توفيق الحكيم!!
فقال د. بدوي: وهل كل من يرفض أن ينفق أمواله على الآخرين يعد بخيلاً..!! غريب أمركم!
(3)
البخل.. وأشد منه الشح!!
فهل استحق د. عبد الرحمن أن تُطلق عليه هذه التهمة!!؟
كيف هي رؤيتنا للشح والبخل!!؟
وهل الإمعان في هدر المال على من يستحق أو لا يستحق كرم نباهي به!!؟ أو نمتدح به العرب، ونحن نذم الغرب، والفرد منهم يحاسب عما أكل أو شرب..!!؟
القضية أكثر تعقلاً من أن نصف من شئنا بما نشاء، وفق هوانا وبحسب أمزجتنا، أو رضانا وعدم رضانا عنه.
(4)
لسنا دائماً مع الشخص.. ولسنا ضده، ومعارك د. بدوي مع (محمد أركون) المفكر الجزائري.. ومع (جامعة السوربون).. ومع (عبدالله نعمان) الكاتب اللبناني.. ومع (د. فؤاد زكريا) المفكر المصري.. معارك داعمة.. تغذي العلاقات.. تفرزها وتصقلها.. ولا تضعها إن كانت قوية.. أو لم تكن.
عبد الرحمن بدوي صارم في تعامله.. وجاءته الصرامة (كما أخبر بذلك د. ثروت شقيقه) عن والده الذي كان قاسياً في تعامله معهم.
القسوة والصرامة كثيراً ما نحتاج إليهما في تأديب من نود تأديبه، أو من يستحق، بيد أن التربية الحديثة أحياناً قد تجني وهي تراعي نفسية الفرد، خدش مشاعره، تشويه معالم «دقنه»، ولكنها الصرامة والقسوة المعقولة.
(5)
د. عبدالرحمن بدوي أثرى المكتبات بمؤلفات قيّمة، وبلغات عدّة، وثراء المكتبات بكتبه الفلسفية والفكرية ثراء للثقافة العربية، وللسان العربي.
قد يكون، كشخصية، غير مرغوب فيه؛ لأنه صدامي، نافر من الناس، يطلق لسانه في الذم، أو غير قادر على إقامة جسور حقيقية مع أي إنسان كان!!
ولكنها شخصيته، ولن تقف دون حرصنا على قراءة مؤلفاته، وهو شخصية لم تغره الجوائز، والأوسمة، والنياشين، في حين أغراه البحث والتنقيب وقضاء أشهر في مدن أوروبية وأخرى للاطلاع على المخطوطات، أفرزت أكثر من 120 مؤلفاً، يجب ألا نتأخر في اقتنائها وقراءتها؛ حتى نفهم ونستفيد من فكر فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام.