مصطلحات الفقر الواردة في القرآن كثيرة منها الخصاصة في قوله تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ، ومنها العَيْلَة في قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ، وقوله: وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ، ومنها الإملاق في قوله تعالى: خَشْيَةَ إِمْلاقٍ . جميع تلك المصطلحات تصل بنا إلى حرص القرآن على الاهتمام بالفقر ومعالجة وضعه ووضع الفقراء، ذلك لأن الفقر ليس وضعا ساكنا يمكن احتواءه بعملية واحدة بل هو متحرك وبشكل سريع، باتجاهات ونتائج غير متوقعة وفي إطار ثلاثي متداخل:
الأمية والبطالة والفقر كل عنصر يغذي العنصرين المتبقيين بالتالي يقاس الفقر بنمو عناصره، ويتم علاجه بعلاج مسبباته! فهل تحقق قياس الأمية والبطالة بالتالي معالجة مسببات الفقر!!؟
لدينا نموذجان من النماذج الإسلامية الناجحة في مقاومة الفقر وفي التنمية: النموذج الماليزي والنموذج التركي. كتب الاقتصادي الأمريكي الشهير تيكليتس الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد مقالا عن المعجزة الماليزية يقول فيها إن منذ أربعين سنة خلت كانت ماليزيا من أفقر الدول في العالم وبعد استقلالها لم تتبع توجهات المؤسسات الدولية بل اختارت أن تتبع النماذج التنموية الناجحة لجيرانها الآسيويين. وهكذا أصبح دخلها يعادل مرتين ونصف دخل جمهورية مصر العربية أما صادراتها فكانت في مستوى صادرات المغرب في سنة 1980 فأصبحت صادراتها تتجاوز ثماني مرات صادرات المغرب سنة 1992، وبذلك أصبح دخلها يعادل أربع مرات دخل دول في حجمها مثل المغرب والجزائر ويعزو الخبراء أسباب نجاح النموذج الماليزي في تعميم التعليم وتحسين مردوديته، وفي سياسة تشجيع البحث العلمي وتشجيع تسويق نتائجه فيما يخص سياسة الإنتاج، أما فيما يخص سياسة التوزيع فقد استطاعت أن تدمج الفئات المتواضعة واليد الأجنبية في النسيج الاقتصادي والاجتماعي من خلال الرفع من دخلها وتمكينها من نتائج تحسن المردودية الاقتصادية، بل إن السياسات الرشيدة المتبعة جعلت ماليزيا أول دولة تخرج من الأزمة المالية التي عاشتها دول شرق آسيا سنة 1989 وجعلتها تفرض شروطها على صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على دعمه وليس العكس لدرجة أن ماليزيا لم تقض فقط على البطالة بل أصبحت بلدا مستوردا لليد العاملة من دول الجوار مثل الفلبين والصين. واعتبرت ماليزيا من أسرع الدول نموا في العالم بعد الصين وكوريا وتايوان. وكذلك الشأن بالنسبة لتركيا رغم أن الوضعية كانت مختلفة، فتركيا بلد غني من الناحية الفلاحية وله، طاقة فائضة في الماء، ومستوى التعليم فيه مرتفع، وله جالية كبيرة تعمل خارج البلد في ألمانيا، وتدر عليه مداخيل مهمة، إلا أن العائق الاقتصادي الأساسي كان عدم الاستقرار السياسي بسبب فساد الحكومات وانعكاسها على الفساد الإداري وانعكس ذلك على سقوط قيمة الليرة التركية وبالتالي كان الإصلاح الإداري على مستوى البلديات أولا ثم على مستوى الوزارات مما ترتب عليه نتائج اقتصادية جيدة حيث بلغ معدل النمو 6% في السنوات الأخيرة بالإضافة إلى سياسات اجتماعية أكثر توازنا. فماذا من السياسات في السعودية ومعدل الفقر فيها “بحسب البنك الدولي” أعلى من بعض الدول التي تتولى المملكة إقراضها. فقر تدخلت فيه البطالة، علاً بأن من يعملون في الغالب هم مديونين للبنوك فما القروض التي تمنحها للمواطن سوى فخ كلما خرج منه أعادته إليه بأساليب ذكية تمارسها البنوك ضد جيب المواطن!.
الفقر يحتاج مقاومة، المقاومة لا يأتي بها فرد أو جهة واحدة بل لابد من توفر شروط من أجل إنجاح سياسة مقاومة الفقر، وقد أجتهد غالبية الخبراء في استخلاص تلك الشروط وما على الجهات المعنية سوى العمل وفق تلك الشروط “إذا كان يعنيها رفاهية المواطن في بلده”.
1 - الإرادة السياسية للإصلاح والوعي بخطورة عدم القيام به سواء من الناحية الدينية والأخلاقية أو من الناحية الاجتماعية والإنسانية
2 - القوة السياسية للإصلاح أي قوة التنفيذ، فالنيات لا تكفي وهنا يكون دور الدولة أساسي، ودور النخبة المتعلمة ودور المجتمع المدني.
3 - توفر المؤسسات المتخصصة أو المؤهلة لمقاومة الفقر وهنا نجد أربعة مؤسسات صالحة لجمع وتسيير الأموال بهدف مقاومة الفقر:
- مؤسسة الزكاة وقد تأخذ شكل صندوق الزكاة؛
- مؤسسة الوقف وقد تأخذ شكل وزارة أو مديرية؛
- بنك للاستثمار أو شركة للاستثمار أو مؤسسة عمومية أو خاصة للاستثمار، ويمكن أن نضع البنوك الإسلامية في خانة بنوك الاستثمار وهذه البنوك على خلاف البنوك التجارية تحمل معها الخبرة في مجال الاستثمار الاقتصادي أو التجاري، والتخصص أحيانا في قطاع من القطاعات.
وبالتالي يمكنها أن نقوم بعملية تسيير وتوظيف أموال الزكاة وأموال الوقف وأموال الصناديق الاجتماعية
- الجمعيات الخيرية التي تتكفل غالبا بجمع المال وأحيانا بتوزيعه وفي حالة الجمعيات الكبرى باستثماره أحيانا.
سرعة التنفيذ، فالشروط الثلاثة السابقة حتى وإن تحققت في غياب التحديد الزمني المنطقي للأهداف تكون النتائج متواضعة، بالنظر إلى أن أحد خصوصيات الفقر هو طاقته الذاتية لإنتاج الفقر فسرعة مقاومة الفقر تحد كثيرا من طاقة انتشاره وتجدده.
مهما حاولت الدول إخفاء نسب الفقر فيها ونسبة البطالة فإن محاولاتها تبوء بالفشل لأن الشمس لا تحجب بغربال.