الاستحواذ إستراتيجية يمارسها الإنسان في حياته إما في مجال عمله، أو مع شخص يعنيه أمره، أو ربما لا يعنيه عندما يقصد الاستيلاء على أملاكه والاستحواذ عليها. وفي “علم النفس” هو انشغال بفكرة معيّنة أو شعور أو عاطفة غير مرغوب فيها وعادة ما يصاحبها القلق الشديد.
افي الشبه يلتقي الاندماج مع الاستحواذ ولا أعتقد باقترابه من التملّك أو حب التملك، ذلك لأن الفرد الذي يملك فنيّة الاستحواذ على درجة من الذكاء العاطفي في التعامل مع من استحوذ عليه؛ بالتالي لا يتمنى الذي استحوذ عليه لو أنه لم يستحوذ، فهو راضٍ بما حصل له. وقد يتمنى الخروج من شرنقة استحواذه لكنه الضعف الذي مكنه غيره من الاستحواذ عليه. قال تعالى “اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ “ حيث نلاحظ هنا إبداع واستئناف بياني؛ إبداع في التعبير، فالاستحواذ الإحاطة من كل جانب. من حاذ الحمار العانة، إذا جمعها وساقها غالباً لها. ومنه قول عائشة: رضي الله عنها: “كان عمر أحْوذياً نسيج وَحْدِهِ” فالأحوذي: القاهر للأمور الصعبة، وعمر كان كذلك. في اللغة الحوذ: أن يتبع السائق حاذيي البعير، أي: أدبار فخذيه فيعنف في سوقه، يقال: حاذ الإبل يحوذها، أي: ساقها سوقا عنيفا. ولذلك لا يقال : استحوذ إلا في استيلاء العاقل لأنّه يتطلب وسائل استيلاء. فالعاقل الذكي يملك تشكيل الأشياء والأشخاص وفق إرادته ومشيئته بالتالي يصيّرهم أتباعاً له. لذلك نقبل بالمعنى الإيجابي للاستحواذ عندما يصب في مصلحة الفرد والجماعة والمجتمع، ونقف ضد المعنى السلبي للكلمة عندما يراد بها الإضرار بهم، بالجميع والاستحواذ عليهم استحواذاً لا يقل عن استحواذ الشيطان في الآية من سورة المجادلة.
في نظري أن بعض الاستحواذ تضييع للهوية، فقدان للقيمة، مصادرة للشخصية وللرأي والكلمة ولوجهة النظر، حيث لا يقل ضرراً عن استحواذ الشيطان على الإنسان.
الذي يحصل مع الأشخاص، وفي المؤسسات، ومن الدول وفي أمكنة كثيرة ما هو إلا محاولة استحواذ مستميتة وهدف نحو دمج الأشياء والأشخاص حتى يتحقق لهم اندماجهم تماماً.
الإنسان خليفة الله في الأرض، لم يُحسن الخلافة للأسف وهو يستحوذ ويضع يده بقوّة على ما يريد مما طمع به، ثم يدمجه إليه مُصادراً بذلك حق من له حق في ما استحوذ عليه ودمجه إليه. فالعقلية التي قادت الإخوان المسلمين إلى ما اتجهوا إليه كان منطقها “الاستحواذ”، ولا تقل عن عقلية رؤساء البطش وحكام السيطرة والمصادرة، سوى في اختلاف الأمكنة وقوّة النفوذ.
ثقافة الاستحواذ والتفكير الأحادي و فكرة الانشقاق بهدف التصحيح ألقت بظلامها على الدول والمجتمعات “العربية تحدياً”، مجتمعات قلّما تهتم بالكيفية، كيفية هذا الاستحواذ وما يحدث من شغل العقل والقلب والأعضاء بنية الاستحواذ وهي تظن أنها في درب النور والإضاءة سائرة، للأسف.