للجوع سطوة عظمى لا تؤمن بعقل.. ولا تنصت لدين.. ولن تلتزم بعرف أو أخلاق.. والولاء والتبعية يأخذها بجدارة من قدم الإشباع ولو كان الشيطان نفسه.. وعندما يجف مصدر ما.. تتحول البدائل من اختيار إلى ضرورة.. لا وقت ولا اعتبار لدى المحتاج لاختبار صلاحيتها قبل الانخراط فيها.
فانحراف الأبناء الذي يرعب الوالدين.. هو قصة قصيرة لبحث فلذة الكبد عن أب بديل أو أم بديلة.. كمصدر آخر للحب والتفهم والاحتواء والمال أيضاً.. بعد أن تعثر نبع المصدر الأصلي في وحل الغفلة أو الجهل.. أو حجزته القسوة والتسلط.
إن كنت ترى في عيون أبنائك الخوف منك.. ولغة أجسادهم وجلة مستوحشة.. كيف لك أن تتوقع صلاحهم.. وأنت تتركهم عراة في مرمى هدف المبتزين والمجرمين وقطاع الطريق!
وإن كانت أحاديثهم تضجرك وتبعث على الملل.. فدونك ألف أذن مستعدة لتلقف ما ظننته سخافة.. ولسوف تشجعهم.. وتضحك لطرائفهم السامجة.. وتفتعل الدهشة لبطولاتهم الوهمية.. في سبيل الوصول لأجسادهم الطرية.
وإن أقلقت ميزانيتك طلباتهم غير الهامة.. وتركتها تغفو في بند الهوامش المنسية دون مبرر واضح ومقنع.. فإن جيوباً منتفخة تنتظر بابتسامة الثعالب.. لتمنحهم حفنة دراهم وتستعبد أجسادهم الطاهرة وعقولهم البريئة.
وإن كان المخطئ من أبنائك لا يستطيع أن يطلب دعمك ويبوح بورطته لجنابك.. فأنت مجرد جلاد ولست رب أسرة.. وقد صنفك في خانة الأعداء بعيداً عن الأصدقاء.
لطالما سمعنا تذمر الوالدين من تباين حال أبنائهم معهم مقارنة بأصدقائهم.. وكيف يكون وقتهم مهدراً لأقرانهم.. في حين يبخلون ببعضه على أبويهم.. من يلومهم عليه أن يقارن بين تفاصيل الوقت الذي يجمعهم بذويهم المزدحم بالمواعظ.. والمختنق بالشكوى.. والمحتقن بالمحاسبة.. بينما مع أصدقائهم حرية الحوار.. واللغة والاهتمامات المشتركة.. والضحكات المتطايرة.. وتبادل الأسرار العميقة دون أحكام مسبقة أو لاحقة.
الجفاف شكل من مظاهر الموت.. والعواطف التي لا يعبر عنها إلا بهزة أو زلزال أحداث تحطم السدود المنيعة.. لا قيمة لها ولا مصداقية.. فعندما تغيب ابتسامتك.. وتنسى احتضانهم.. فلا تكاد تلامس ابنك أو ابنتك إلا في حالة مرضية يئنون منها ويتألمون.. أو لحظة انهيارهم لصدمة مدوية.. أو لحظة تغفو وجوههم الطيبة ولا يشعرون بتواجدك.. فأنت تحرم نفسك من شعور عظيم يمطر زخات زخات.. في صدور الرحماء.. وله لذة خرافية تحيي معنى الأبوة والأمومة بداخلك.. تسري من القلوب وتملأ المكان والدنيا بأسرها.. فكن أنت الركن الأمين الذي يستند إليه ابنك وابنتك دون أن يخافوا غدر الاستغلال.. ووجع التخلي.. وفجيعة الانكسار.