للمرايا قصة خاصة بكل فرد لا تكاد تتطابق كالبصمة.. فما الذي تشعر به لحظة انعكاس وجهك وجسدك في المرآة.. أترى إنساناً تحبه.. وماذا تحب فيه؟ أترى إنساناً تثق في قدراته.. أم آخر خذلك في مواطن عدة كنت تتمنى أن يتصرف بطريقة أفضل؟
تلك حكايتك وحدك لا شأن لأحد بها.. بكل ما فيها.. لكن ماذا تقول عن إنسان يحمل المرايا أينما وجد.. في البيت.. الشارع.. العمل.. المدرسة.. كل مكان.. أهو مختل؟.. أم مريض يستحق الشفقة أو العلاج؟.. أم مغرور لا يرى غير ذاته!.. تلك الصورة تحاكي ذات الحال عندما تكون عيون الآخرين مرآة تحدد مدى هدوءك أو ارتباكك.. وتقرر أي فعل يعتبر مقبولا أو مرفوضا.. ويكبر في داخلك مخلوق جبان.. مرهق إلى حد العجز عن التحرك بتلقائية.. مخنوق من النظرات حوله.. لن يبدأ قبل الآخرين.. ويعتبر المبادرة مشروعا مضنيا ملغوما بالتوقعات.. يخاف من الحرية لأنها اختبار صعب للقرار الذي يتهرب منه بتبني رأي الأغلبية كصوت زائد عن الحاجة.. ودون حتى أن يفكر إن كان الأمر مناسبا أو مجرد عبث بمصائر الناس ومصالحهم.. مثل هذا الإنسان يمر بالحياة مرور الهوامش.. وليس الكرام.
مثل تلك الشخصية ليست فقط ترتعب من الحرية.. إنما تحاربها وتعتبرها بؤرة الانحلال.. رغم أنها لم تجربها علناً في أغلب حياتها.. ومن المتناقضات أنها تعتقد أن الآخرين كذلك لا يسعهم العيش بحرية.. إنما لا بد من وجود وصاية ورقابة وضبط لكل شاردة وواردة.. بتهمة متوقعة وضد المجهول.. واقتحام للنوايا وسريرة البشر.. ومعادلة واحدة تعيش في فلك نتيجتها المغلقة كل الناس باختلاف عقولها وأمزجتها!
ولا يمكن حصرها في شريحة أو فئة معينة.. دينية أو سياسية ووو إلخ.
إنما يمكن أن تكون بتوجه صادم يفترض أن تلازمه السماحة.. وانفتاح الأفق.. لأن الخلل لم يكن في ذات المذهب أو المصدر إنما في تراكمات نفسية اجتماعية تأخذنا لأول المقال.
وعلى الصعيد الأسري قد تسيطر على أحد الأبوين أو الأبناء.. لأن ما نجده في المجتمع يبدأ غالباً من الأسرة.. من تلك الشخصيات المستعبدة المعذبة منذ الصغر.. والتي لم تتذوق طعم الحرية يوماً.. إنما تعرف منها أنها مصدر إزعاج ورفض الأبوين.. أو المدرسة.. وتحاول جاهدة أن تكذب في مشاعرها واعتقاداتها لتضمن القبول.. ذاك المطلب المهم في حياة أي إنسان.. وقد يتحول من رغبة إلى حاجة تسحقه دونما رحمة.. ليبقى عبداً للآخرين.