رغم أن القلق مجرد تخيل للأحداث الأسوأ والمرعبة.. ومن ثم تحويرها لفيلم متتابع الأحداث.. يأخذ الجسد معه في رحلة بين الوجع والخوف.. إلا أنه يستعبد الكثير من الناس أو على الأقل مر بهم في مرحلة من حياتهم.. فالقدرة على التنبؤ بالأحداث القادمة متاحة للجميع دون أدنى شك.. إلا أن كيفيتها تختلف من عقلية إلى أخرى.. بحسب الخبرات والأفق الثقافي والمعرفي.. والأهم من هذا كله متى تجنح القدرات المنطقية للإنسان إلى الخيال والتوقع؟
بالطبع عند غياب المعلومات الكافية.. أو غرابة الموقف لحظة يتخلى عن نهجه العاطفي نحو رحاب العقل الواسع.. والذي يحتاج أجندة مختلفة عن المعتاد.. لكن إذا تحولت تلك النعمة إلى نقمة بجعل أغلب مصالح العباد متعلقة بعقليات خائفة وذات نهج جامد.. هنا تبدأ الكوارث الأخلاقية والمادية وتعتقل الحرية.. لماذا؟
لأن فئة تعتقد جازمة أن مخاوفها السوداوية.. وتوقعاتها الكئيبة.. حتمية لا جدال فيها.. وعلى البشر أن تمتثل لإحساسها وعبقريتها!.. في محاولات مستميتة لتسليط الضوء على وجه الإنسان السيئ والمجرم والمنحرف.. دون اعتبار لصلاح الناس والخير الذي يسكنهم.. وإن غاب الوازع الديني والإنساني فللبشر ما تخسره.. وتخاف من فقده على الصعيد الاجتماعي والمادي والنفسي.. وتناسي أن الجرائم والانحرافات أمور موجودة مذ بدء الخليقة وستبقى.
لذا يبدو المنع هو الخيار المتاح.. وهنا تحديداً ترحل الحرية مبتعدة عن أجواء الفرض والوصاية تحت أي اسم كانت.. وما أن تترك المكان حتى يهبط النفاق.. لأنه وجاء وحل وسط بين قسوة القمع.. وظلم المنفى.
ولنا أن نسأل ماذا يفعل القانون وما مهمته وقائمة المنع طويلة لا تنتهي؟
فالقانون إنما يخدم الحرية وحدها.. ويحترم حق الاختيار الذي أختص به الإنسان عن غيره من المخلوقات.. فإن اختار خيراً فالمكسب له.. وإن اختار شراً فالقانون يحمي من حوله ويحاسبه.. والمحك هنا أن الاختيار متاح.. ولا يوجد إجبار حتى على الخير.. وإن حدث.. فهو مجرد فعل مقهور وانتزع انتزاعاً لا إنسانية فيه.
رب أسرة كنت أو حاكماً.. وحتى على المستوى الفردي مع ذاتك.. إما أن تترك باب الاختيار مشرعاً وبعده قانون يحميك ويحمي الجميع.. وإلا فرحب بأفواج المنافقين والكاذبين من حولك.. والذين لن يتأخروا عن الانقلاب والإطاحة بك في لحظات ضعفك.. لأن من وكل نفسه رقيباً ومحاسباً على حريات البشر.. ليس له أن يتوقع الولاء إنما أعداء بثياب الأصدقاء.. وسيأتي اليوم الذي تفرض فيه الممنوعات فرضاً لا تعقل فيه.. مع أنه كان من الممكن أن تطرح سابقاً على طاولة مستديرة وتقنن حتى تناسب الجميع.