الحماس المنفلت دون مجرى يحدد له الهدف إعصار جارف ربما يفيد في القليل.. لكنه يعد بالكثير من الفوضى.. كذلك تداخل المساحات والصلاحيات.. لا يمكنها أن تتسم بالتنظيم أو الاحترافية.. فمثلاً لو تدخلت وزارة الصحة بشؤون وزارة التربية.. لتركت الأولى مهامها الأساسية المنوطة بها واشتغلت بما لا تفقه.. وتكاسلت الثانية وتواكلت وأحبطت.. وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باتت اليوم جهازاً أشبه بالاخطبوط.. أذرعه في كل مكان على أنه جهاز داعم.. مكافحة المخدرات.. الدعارة.. السحرة..ووو إلخ..باختصار الجريمة بشتى أنواعها!
لن نناقش الأخطاء والجهود لأنها أشبعت طرحاً وتلميعاً وتشويهاً كذلك.. فما أقصده هنا أبعد بكثير.. ورؤية تهم أصحاب القرار والمجتمع السعودي بكل توجهاته.. المؤيدة للجهاز والرافضة له.
وبقليل من الملاحظة سوف نصل لنتائج غريبة سألخصها في نقاط وتساؤلات سريعة توضح خللا إدارياً ومهنياً واضحاً لا يمكن تجاهله.
أولاً: الفئة المؤيدة لأسلوب عمل جهاز الهيئة وهي كبيرة لا يستهان بها.. لديها تصور خطير.. تشكل على مدى طويل.. بأن الفضيلة والأمن والأمان.. كل ذلك مرهون بوجود الهيئة! فما الذي يجعلهم يؤمنون بأن جهازاً لا يتعدى عدد أعضائه (5000) عضو موزعين على مناطق المملكة المترامية.. أن يكون معجزة المعجزات؟ ويسيطر على (29195895) فرداً من سعوديين ومقيمين حسب تعداد السكان في مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات لعام 2012م.. ومن ذا يصدق هذه الصورة الخرافية..ناهيك أنها مجحفة بحق أجهزة الدولة الأمنية المتعددة.. فهل هي نائمة وليس لها من دور.. ومن هز ثقة المجتمع برجل الأمن الأول! ليحل محلها “السوبر مان” رجل الهيئة!
ثانياً: كيف للاحتساب وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تحصر في رجل الهيئة؟ ماذا عن الطبيب في عيادته.. المعلم في مدرسته.. الأب في أسرته.. الكاتب في جريدته.. وكل فرد في المجتمع؟ أليس كل إصلاح سواء كان دينيا أو دنيويا يدخل في دائرة الاحتساب.. كيف تحول المفهوم الواسع إلى زاوية حادة ضيقة؟
ثالثاً: عندما يُسمح لجهاز واحد أن يكون شاملاً ومتداخلاً مع أجهزة أخرى.. أهو تشكيك في كفاءتها.. أم نقص في كوادرها البشرية والمادية ليستعان بغيرها.. أم ماذا؟
رابعاً: كيف تنامت سلطة رجل الهيئة من مهمة الأمر بالصلاة في الأسواق حتى وصلت إلى أدق تفاصيل حياة المجتمع الأمنية والأخلاقية.. وإلى أي سلطة يريد هذا الجهاز أن يصل؟
وأخيراً.. لست ضد الهيئة تحديداً.. إنما ضد أي فرد أو جهاز يتصرف بشكل خاطئ.. ويتشكل بحسب المكان الذي يتواجد به.. ويأخذ حيز الآخرين من الصلاحيات بأي حجة كانت.. بل كل في اختصاصه.. ليكون العمل احترافيا وليس اجتهاداً وفضولاً.. وليكن الحماس مفيداً ولا يشكل خطراً على المدى القريب أو البعيد.