يتعطشون للكلمة الطيبة..
يتلقفون بلهفة أيَّ العبارات التي ترسم أملا..., أو تحمل حكمة..., أو تؤدي إلى بوابات الأحلام في حياة هنيئة.., وعافيةٍ من كدرِ المحيط حولهم..!
هكذا وجدتهم..,
كثرٌ من القراء يقتنصون ومضات الحروف المشبعة لأنفسهم طمأنينةً..,
التي تحلق بيسر داخل أقفاص صدورهم..,
تلك التي تزيل الطمي عن جدرانها..، وتعلق فوانيس البِشْر فيها..
ما الذي زاد من أكدار المجايلين لهذه المرحلة في حياة البشر..؟!
لأن الدنيا لم تكن يوما فقط جنات خضراء وارفة للإنسان، لا يجد فيها سوى الأفراح, والنعيم.., وإلا ما تلاطمت بين أسى, وبؤس, وطبقية, وجد, وهزل, وغبار، وريح, ومطر, وإمحال, وغنى، وفقر, وعافية, وعلة, ورضى، وسخط, واتفاق، واختلاف, ووفاء, وغدر, واكتساب, وفقد, وخيبات، وآمال.., وحياة، وموت..!
فالدنيا متقلبة.., تارة تضحك حتى يختنقوا بضحكها, ويصيبهم غمها، وغرورها.., وتارة تعتم بأجوائهم حتى لا يكاد أي بصيص من أمل يراود تطلعاتهم..!
الدنيا دار غير آمنة، لكنها كلما تمادت بهم في زخرفها, وتنوع معطياتها، وتكاثف مقدَّراتها، جلبت لهم الهم مع فسادها..., فسادها الذي يصنعه إنسانها ذاته.., بيده التي تبني ذاتها, وتهدُّ, وهو يصنع, وبفكره ذاته الذي يخطط، وهو يبتكر، يُعلي، أو يهدم,، وبنواياه وهو يتقصد..!
زادت هموم البشر مع صناعات التدمير, والإعلال, والقتل, والفناء الصامت المتسرب لأعصابهم، ولعقولهم, بل لأجسادهم، ولنفوسهم..
مع أنهم يشاهدون خيرات الأرض تتفجر عنها مخابئها.., وتهبط بها سماؤها..
عطايا الخالق الجزيلة عرفها الإنسان, وإنسان العصر تحديدا في نفسه، ومن حوله، وفيما هو قريب منه، وبعيد عنها..!
لكنه مع هول ما يرى، هناك هول ما يتقي...!!,
وهناك هول ما يخاف.., ويهاب, ويتوقعُ..
الإنسان ذاته صانع العتمة.. ناشر الدكن..!
لذلك تأتي الكتابة رحمة للإنسان.., وهو يتجول قافزا، متجاوزا كدر الدنيا التي يعيش، إلى براح تطوف فيه أجنحة البياض في عبارات يصوغها له فكر كاتب يتفاءل بالآتي..,
أو كاتب يتوكل على الخالق القادر ويغرف من معين هداه.., أو كاتب يحلق بروح شفيفة مخضرة تتمرد على الظلمة بنور إيمانها..، ومكين ثقتها..., وصفاء مكنونها..
كاتب يمتح من بحور لا تنضب.., بمداد مشكاة لا يجف.., في قلم كالمصباح في زجاجة نفس واعية بحقيقة الكدر..., عارفة بسرِّ جلائه..!!