من نعم الله أن يهب الصغير من يأخذ بعقله حين يأخذ بيده نحو السير..,
وكما يدرّب قدميه على الصمود، ثم السير بلا تعثُّر.. يدرّبه على التفكير في موقع قدميه, والنظر إلى طريقه, ..
ومن ثم إن تعثّر, وتألم وجَّهه للصبر.., وأن يقف، ثم يعاود..,!
فإن بلغ به ألم الارتطام بالأرض حداً عميقاً، درّبه على التَّصبُّر..
يداهما متشابكتان، وتارة تستقل عن بعضهما حتى تستقيم الخطوة، ويُدركُ الطريقُ...
فإذا ما بدأ المشي ليس على الأرض, إنما في طرقات الحياة اكتساباً، وعطاءً، وتفاعلاً، والتقاءً بأنماط من البشر, وقضايا تستحثّ الصبر، وتوجب التصبُّر ...يكون الفرد قد استوى قادراً على خوضها, مستعداً للمناورة معها بين الصبر عليها ومن فيها، والتصبُّر في شؤونها.., وعليهم..
إنّ اكتساب القيم، والتعوُّد على ممارستها، يحتاجان لبرنامج تدريب ليس في مدرسة، ولا في مركز, ولا في مصحّة, لكن في حياة الإنسان تكون مدرسته:
أُمٌّ تربِّي بيقظة .., وأبٌ يرافق بحدب.., ومعلِّم يقتدى به بإرادة.., وروافد ثقافة مدروسة.., ومعرفة وتعليم مصممان..,
وبمعنى أوسع, بيئة تعنى بالقيم.., هذه التي هي ذاتها مدارس.., وإن تكن قنواتها الممارسات، والسلوك..
فالصبر وسيلة للإتقان، ومسلك للبلوغ,...
والتَّصَبُّر محكٌ للكسب، ومنفذ للنجاة..
ولهما مثوبة أجمل.. وعد الله تعالى بها عباده..
فالصَّبر حلية للمرء، إذ ليس فقط منغصات الحياة, ومتطلّبات العمل ما يستحثه، ويوجبه..
بل أداء الواجبات، والمثول في المواقف, ومواجهة المنافسين, والعبادة المخلصة, وأعباء التربية, وموجبات التعليم، وكل ما يكبِّد المرءَ فائضاً من جهد.., أو احتمالاً.., أو طاقة.., أو صمتاً..، أو تغافلاً.., أو غضَّ بصرٍ.., أو تنازلاً.., أو صفحاً.., كل هذا وغيره في حياة المرء, يستحث الصّبر فيه.., والتصبُّر منه.., ويستوجب التحلِّي بهما..
درب الصابرين كما الفلاحين.. يردون الماءَ ليروي غراسهم..
فالكادح في الأرض لا محالة غانم...
والكادح في نفسه مع خارجه أكثر غنماً...!!