بعيداً عن كل التعليقات، والتحاليل، المفصلة والموجزة لكل من كتب، عن قرار المملكة الاعتذار بقوة، ووضوح عن عضوية مجلس الأمن..
وبعيداً عن الرأي السياسي بكل خلفياته، وتخرصاته..
وبما أملك من روح المواطنة، تلك الروح التي تصفق للمنتخب الأخضر حين يتفوق.. ويحصد مرامي الآخرين..
والتي حين تشاهد أفواج الحجيج تنساب بتكاثف نحو المشاعر تكبر معها.. وتدمع..
والتي تشنف أذنيها عندما تكون خارج أرض الوطن لكل لسان ينطق اسم بلدها، فتبتسم بطمأنينة إن ذكرها بخير.. وتغلي غضباً إن فعل عكس ذلك..
والتي لا تزال تؤمن بأن بلادها الأنقى.. والأجمل.. والأحلم..
بهذه الروح، تلقيت قرار المملكة اعتذارها عن عضوية مجلس الأمن..
المجلس الذي كنت دوما أحسب أنه مسؤول عن هذا الهدر الأمني في العالم.. وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدا.. وفي كل مكان تشتعل فيه نيران القلق.. والحروب.. وتفتك به ظلمات القوى المنفذة لكل جريمة يذهب ضحيتها وطن في المنطقة.. أو تُهدر فيها أرواح.. أو تتسيب فيها القوانين التي يُفترض أن تُحترم حين تكون في منظومة الدولية..
وكنت دوماً أتساءل عن أكثر من نصف قرن.. وتزيد، سنوات القضية الفلسطينية.. وأين منها مهابة مجلس الأمن؛ وهيئة الأمم..
وزادت أسئلتي حدة.. وإقلاقاً بعد الحال التي وصلت بقضية سوريا..
وانفلات الأمن في عديد من دول العالم بشكل سافر..
وانتهاك الحقوق.. والتعدي على مقدرات الأمم، وعدم العدالة في مسواة القوانين والعقوبات على الدول التي تتجاوز الأنظمة الدولية وقوانيها.. وتمييع الكثير مما يتعلق بمسؤوليات مجلس الأمن..؟!.
لكن قرار المملكة الذي جاء في ظني مؤقتاً بوعي، ليكون صوتاً جاهراً للعالم.. يهز كتفي دول أعضاء المجلس بحقيقة ما جاء فيه من أسباب الرفض، أعاد لي بهجة النفس.. وقفزة الخاطر.. وابتسامة الظافر...
ذكرني بالمواقف كلها التي تلوح بخضرة عَلَم يحملُ شعارَ التوحيد الأعظم..
ذكرني بموسم الحج.. وقيادة مواكب تنوف على الملايين في أيام معدودة.. يتجند من أجل أمنها، وسلامها هذا الوطن..
تعود بسلام لأوطانها، فيما تعجز دول عن حماية أعداد أقل في مناطق أوسع..، يشكون هجير الضياع.. وشتات القسوة.. وقلق الاستلاب..
ذكرني بالنفط الذي أوقف عن التصدير ذات يوم، من أجل قضية فلسطين..
وبمؤتمر الطائف من أجل سلام لبنان..
وبمؤتمر مكة من أجل مصالحة الفسطينيين..
وبخطاب عبدالله بن عبدالعزيز في الأمم المتحدة، في ذكراها الستين، حين دعا لإصلاح هيئتها، ومجلس الأمن محور القرار ليقوم بمهامه، ودوره المطلوب وفق نظامه وقوانينه المرسومة على الورق...
وبتلك القوافل من المعونات التي تعين دول العالم.. في أشد كرباتها..
مواقف قوية وناطقة ومسجلة في التاريخ لهذا الوطن..
إنه قرار حكيم، وأمين، وصادق، وناطق، وجريء، وواثق..
ضربة قوية في مرمى العالم، وجميع دوله.. لمجلسهم الموسوم بمجلس الأمن..
فمن ينضوي عضواً فيه لا ينبغي أن يفرح بالموقع، والعضوية، دون أن يكون فاعلاً في إيقاف هدر الأمن القائم..
وتنفيذ الدور على أرض الواقع..
تلك الرسالة المهمة التي حملها ووجهها هذا القرار..
فرحت كثيراً أن أرسلتها لكل الآذان هذه البلاد.. في وقتها المناسب، وزمنها المناسب.
فيا لحكمة هذا القرار أيها القائد عبدالله بن عبدالعزيز.. وفقك الله، وأيدك.